;

أوراق من ذكرياتي ..الحلقة «20» 856

2009-02-18 05:00:04

تضليل عبدالناصر

من الغرابة ألا يعرف الرئيس أن الدولة اليمنية بحكومتها وقادتها العسكريين معتقلون في سجون مصر، وأنه ليس له علم بذلك ، وإذا كان العالم وصحفه والوساطات من الجزائر وسورية والعراق وغيرهم يناشدون الرئيس عبدالناصر إطلاق الحكومة اليمنية المعتقلة فكيف لا يعرف، بل إنه كان يعر ف كل كبيرة وصغيرة... لكن المصريين أو القيادة المصرية كانت تعطي اختصاصاً لجهة معينة تمارس السلطة ولا تتدخل في تصرفاتها، وهذه الثقة بين زملاء وشركاء السلطة تجعل لهم الصلاحيات المطلقة، ومكانة المشير عامر قوية عند الرئيس جمال عبدالناصر.

وفي مؤتمر القمة في الخرطوم تشكلت اللجنة الثلاثية الخاصة باليمن لحل مشكلة الحرب والاستماع إلى رأي اليمنيين في الداخل والخارج وزارت اللجنة الثلاثية صنعاء، وكذلك زارت اللجنة الثلاثية القاهرة..، وتم مقابلة الزعماء اليمنيين الأستاذ أحمد نعمان والقاضي عبدالكريم الإرياني والقاضي عبدالسلام صبرة والفريق حسن العمري في قصر القاهرة.

هؤلاء الزعماء التقوا باللجنة الثلاثية في قصر القاهرة المكونة من السودان والعراق والمغرب برئاسة محمد أحمد محجوب، وأكدوا للجنة أنهم لا يطلبون من القيادة المصرية إلا أن يفرج عنا وعن زملائنا من داخل السجن، وتتركنا نذهب إلى بلادنا نواجه الموقف العسكري والسياسي بعد أن قررت الحكومة المصرية الانسحاب من اليمن ، ونخشى على نظامنا الجمهوري من العودة إلى الحكم الإمامي المتخلف ونحن معتقلون داخل مصر داخل السجون، والانسحاب العسكري بدأ تنفيذه من اليمن، وكان من المفترض أن نكون في بلادنا في وقت مبكر، بعد مؤتمر الخرطوم مباشرة ، لأن الرئيس جمال عبدالناصر قرر الانسحاب من اليمن، لكي يتحمل اليمنيون مسؤولياتهم في بلدهم، ولا ندري أسباب تأخرنا ثلاثة أشهر داخل السجن بعد مؤتمر الخرطوم، مما يؤكد أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يعرف حقيقة الأمر ، وكل الأحداث التي حدثت في اليمن وفي مصر يعرفها جيداً،ويتعامل معها طبقاً للسياسة المرسومة لها.

وقد كان الرد من اللجنة الثلاثية بأنهم سيبلغون الرئيس عبدالناصر، الذي وافق بعدها على إطلاق سراحنا من السجن بعد لقاء الزعماء اليمنيين مع اللجنة في قصر القاهرة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1967م وتم الإفراج بعد خمسة أيام في 11 تشرين الأول/ أكتوبر.

ومما زاد أسفنا وألمنا الأحداث المؤسفة التي شهدتها صنعاء في الأيام الأولى من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1967م، وتألمنا لحدوثها، وكانت آخر محطة لزيارة اللجنة الثلاثية القاهرة بعد زيارتهم لصنعاء وبيروت، وسبقنا بالإفراج الأستاذ أحمد النعمان والفريق حسن العمري، وتم الإفراج عنهم يوم 8أو 9 تشرين الأول / أكتوبر قبل يومين من خروجنا من السجن.

الخروج من المعتقل

سمعنا بتطورات الأحداث وكنا ما نزال في السجن الحربي، كما علمنا بما حدث في قصر القاهرة في اجتماع اللجنة مع الزعماء اليمنيين، والصورة الجديدة لليمن وقرار انسحاب القوات المصرية من اليمن أصبح واضحاً عند المهتمين السياسيين ، سواء اليمنيون أو المراقبون العرب والدوليّون، وفور خروجنا من السجن التقيت بالقاضي عبدالرحمن الإرياني مع الأخ علي سيف الخولاني والأخ محمد الخاوي، وحاولنا أن نعرف ملامح المستقبل منه، وما هي الخطوة التي يجب العمل بها بعد الخروج مباشرة؟ واجتمع الزملاء بعضهم مع بعض في لقاء الفرحة بالخروج من السجن، والفرحة بالعودة إلى الوطن، فذهبنا إلى القاضي عبدالرحمن وكان لدينا شحنة من الحماس أكثر مما يجب لكي نعرف الخطوات الجديدة للمستقبل ، مستقبل اليمن وماذا سيكون دورنا؟ أجاب القاضي عبدالرحمن- رحمه الله- قال: يا أولادي لا نذكر شيئاً هنا ولا نتحدث بشيء هنا، علينا أن نعود إلى اليمن،و لكل حادث حديث وسوف نلتقي بكل الأخوة العائدين من بيروت وخمر وسورية، ونتكلم ونتدارس الأوضاع معهم بصورة أشمل وأعم ، وكان على صواب، نحن ترددنا في العودة إذ لم يكن لدينا صورة واضحة عما يجب أن نعمله، كنا بعد السجن في حالة نفسية عصيبة في أفكارنا وآرائنا، متحاملين على بعض القياديين من إخواننا وزملائنا للخطأ في التفكير السياسي الذي أدى إلى الاعتقال.. كان عندنا عدة تساؤلات لم نجد لها جواباً من القاضي عبدالرحمن الإرياني أكثر من أن نعود إلى اليمن، فخرجت الدفعة الأولى وتوجهت إلى صنعاء.

وفي السجن علمنا ببعض المعلومات عن مؤتمر القمة في الخرطوم وأحداث تشرين الأول/ أكتوبر في صنعاء وما حصل في اليمن بشكل عام، لقد وصلتنا بعض المعلومات والأخبار بشكل أو بآخر، والذي أوصل إلينا المعلومات أحد السجانين، وأصبح يمني الجنسية فيما بعد واسمه صلاح الغريب، هذه أحد الشخصيات التي أحست بالظلم الذي وقع علينا، وكان له علاقة حسنة بالفريق حسن العمري في السجن، وقامت بينهما صداقة، وكان يبلغنا بعض المعلومات في الفترة الأخيرة عندما اجتمعنا في الزنازن وأصبح كل اثنين منّا في زنزانة بعد يوليو/ تموز 1967م، ومن حسن حظي أني كنت مع الأخ الدكتور حسن مكي في زنزانة واحدة حتى تم الإفراج عنا. ولأنهم كانوا ينقلوننا من سجن إلى آخر كالقطط تنقل من مكان إلى آخر، فكان هذا هو الانتقال الثالث الذي جمعنا كل اثنين في زنزانة.

وكنا نسمع من إذاعة السجن الأخبار، فسمعنا بلقاء اللجنة الثلاثية مع الزعماء اليمنيين الموجودين في القاهرة وزعماء آخرين، وهذه مقارنة عجيبة، زعماء ومسجونون جمعتهم القاهرة ، وتم الإفراج عنا بطريقة عادية جداً بتوجيه من مأمور السجن وأبلغنا أنه تقرر الإفراج عنكم، تعانقنا بعضنا مع بعض، وكان مزح لا حدود له، وعشنا ساعات سعادة وفرحتين، الفرحة الأولى الخروج من السجن والفرحة الثانية العودة إلى الوطن لمواجهة المواقف الصعبة لكي يبقى النظام الجمهوري بعد خروج القوات المصرية،.. وباعتبارنا أناساً محترمين، على ما قال حسن مكي للسجان المصري، فقد تعاملنا أيضاً مع السجانين باحترام وسلامة وتقدير، لأننا نعرف أن هؤلاء منفذو توجيهات، وهي واجباتهم يؤدونها على أفضل ما يمكن من وجهة نظر السلطة التي كلفتهم بتلك المهام، هذا أمر طبيعي، كان بيننا احترام مع السجانين العساكر منهم أو صف الضباط ، فسلمنا عليهم وودعناهم وتمنينا ألا نعود مرة ثانية إلى السجن.

ولم نكن نبحث عن اعتذار، وإنما كنا نبحث كيف نخرج من السجن ونعود إلى اليمن بأي صورة كانت، سواءً في ظل حكم المشير السلال أو غيره، وكأن الخروج قد أصبح هدفاً وغاية، وكذلك قبول بواقعية النظام الموجود ، وكما ذكرت، حاولنا أن نتلمس من القاضي عبدالرحمن الإرياني عن شيء سنعمل من أجله لأن ثقتنا كبيرة بالقاضي به بوصفه زعيماً سياسياً وشخصية وطنية لها مكانتها وقيمتها ، فلم نتوصل إلى شيء إلا النصيحة بالخروج فقط، هذا ما قاله القاضي حكيم اليمن وضميرها.

العودة إلى اليمن

وهكذا تمت العودة إلى الوطن، وخرجت الدفعة الأولى خلال الأيام الأولى طبقاً لتوجيهات ونصيحة القاضي الإرياني من دون البحث عن المستقبل، وكان فيها: القاضي نفسه، وعبدالسلام صبرة وعدد من الضباط ، وتأخرت مع الأخ محمد الخاوي، وعلي سيف الخولاني، والفريق حسن العمري وحمود الجائفي، الذي لم يعتقل أو يحتجز، وكان حينها في القاهرة طول المدة، وكانت له مواقف وطنية ومثالية، وقد عُرف بطريقته وحزمه في المواقف. كان ذا رأي خاص ورافضاً كل التصرفات التي لحقت بنا.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد