منيف الهلالي
في صحيفة "أخبار اليوم" العدد "1616" وفي عمودها اليومي "فواصل قلم" أنزلت الزميلة كروان الشرجبي مقالاً بعنوان "هذا كل ما يهمني" ذيلته بتساؤلات تود الإجابة عليها وهي: هل الحجاب غطاء الرأس؟ أم غطاء الوجه؟ أم هو الجلباب؟ وهل اللاتي لا يرتدين الجلباب وغطاء الوجه أقل تديناً والتزاماً؟
بينما قبل هذه التساؤلات تحدثت عن ارتداء الحجاب وأنه مسألة شخصية جداً بل خيار فردي كما قالت.
وقبل أن أتحدث عن مسألة الجلباب وهي المسألة الخلافية من قديم الزمن كنت أود الإشارة إلى أن طرح الزميلة قد يفهم منه البعض أنها تقصد أن ارتداء الحجاب أو خلعه مسألة شخصية، وهذا ما لا اعتقد أنها كانت ترمي إليه وإنما كانت تود القول بأن كشف الوجه أو تغطيته هي المسألة الشخصية كما في السياق الأخير من مقالها، ولها أن ترد وتوضح لقرائها في الأعداد القادمة ما الذي كانت تقصده.
عموماً فإن مسألة الجلباب مسألة شائكة اختلف فيها العلماء على مر العصور السابقة وقد كانت في العقد الماضي محل تجاذب وجدل حاد وصل إلى درجة تحريم تداول بعض الكتب التي لا توجب على المرأة تغطية وجهها وكفيها بدعوى التحريض على السفور والانحلال.
أما أنا فقد اقتنعت بالرأي الذي يجعل من تغطية الوجه عند المرأة شيئاً مستحسناً وليس واجباً لقوة الحجة عند الفريق الذي يقول بهذا الرأي.
وسأضع بين يدي القارئ الكريم بعضاً من نقاط الخلاف وبإيجاز شديد لعلي استطيع تدعيم إجاباتي على تساؤلات الزميلة كروان ببعض أدلة أهل العلم:
أولاً آية الحجاب: "يدنين عليهن من جلابيبهن" اختلف العلماء في تفسير "يدنين" فمنهم من يقول أن معنى "يدنين" أي يغطين وجوههن.
أما الآخر والذي أميل إلى رأيه فيقول أن معناها هو التقريب لأنه يقال دانيت بين الأمرين: أدنيت أحدهما من الآخر ، وقد فسر الآية ابن عباس ترجمان القرآن بقوله: "تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به" أي: لا تستره.
وكذلك اختلفوا في تفسير "الجلباب" فالطرف الأول فسر الجلباب بأنه الثوب الذي يغطي الوجه.
أما الطرف الآخر فقد قال بأنه الثوب الذي تلقيه المرأة على خمارها وليس وجهها كما أن الآية: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" كان الخمار فيها محل خلاف حيث فسرها الطرف الأول بأن الخمار غطاء الرأس والوجه.
بينما الطرف الآخر قال بأن الخمار هو غطاء الرأس فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"، بالتأكيد فالمقصود بالحائض من تعدت سن البلوغ، ولذلك فإن المرأة عندما تصلي لا تغطي وجهها.
أيضاً الآية: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" فسر الطرف الأول ما ظهر منها بأنها الثياب الظاهرة للمرأة.
أما الطرف الآخر فيقول بأن ما ظهر منها تعني الكحل والخاتم أي الوجه والكفين بدليل الآية الأخرى: "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن"، فالزينة الأولى عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنه إذا ما ذكروا اسماً معروفاً ثم كرروه فهو هو، فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء لا يجوز لهم أن ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟
كذلك استدل الطرف الثاني والأقوى حجة بنظري بحديث الفضل بن عباس "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحول وجهه من الشق الآخر"، وهذا الحديث يدل على أن الوجه لو كان عورة يلزم ستره لما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء.
هذه رؤوس أقلام من مسائل الخلاف في هذه القضية وعلى من يريد الغوص فيها الذهاب إلى المكتبات فإنها مكتظة بالكتب التي تناقش مثل هذه المسائل ولا أحب أن أشير على القارئ بأسماء معينة من الكتب حتى لا أجهض عليه حرية الاختيار.
كما لن أنسى أن أشير إلى أن الفريق الذي يدعو إلى جواز كشف المرأة وجهها وكفيها لم يترك المسألة مفتوحة بل أنه قيدها بشروط منها أن لا تكون المرأة شديدة الجمال فيفتتن بجمالها المارة، وأنه يستحسن للمرأة تغطية وجهها وإن كان ذلك ليس وجوباً.
خلاصة الموضوع فإن المرأة عندما تخرج من دارها وجب عليها أن تستر جميع بدنها وأن لا تظهر شيئاً من زينتها حاشا وجهها وكفيها إن شاءت بأي نوع أو زي من اللباس ولتسميه ما تشاء إن وجدت فيه الشروط التالية:
استيعاب جميع البدن إلا ما استثني منه.
أن لا يكون زينة في نفسه ولا شفافاً يرى ما تحته.
أن يكون فضفاضاً غير ضيق.
أن لا يكون مبخراً مطيباً.
أن لا يشبه لباس الرجال ولا لباس الكفار.
أن لا يكون لباس شهرة.
أخيراً: فالكثير من العلماء وعلى رأسهم مجدد القرن الماضي العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه يرى أن من لا تغطي وجهها ليست أقل تديناً أو التزاماً ممن تفعل ذلك.
وحقيقة الأمر أنه وإن كان قلبي ينفطر أسى وحزناً من هذا السفور المزري والتبرج المخزي الذي تتهافت عليه بعض الفتيات في بلادنا تهافت الفراش على النار فإنني اعتقد أن معالجة هذه المسألة لا يكون بتحريم ما أباح الله لهن من الكشف عن الوجه.
بل إن الواجب على فقهاء الأمة أن يتلطفوا بالنساء، ويتساهلوا معهن فيما يسر الله فيه، ولا سيما ونحن في زمن قل من يأخذ بالعزائم والفرائض فضلاً عن المستحبات والنوافل.
أتمنى أن أكون قد وفقت في الإجابة على بعض تساؤلات الدكتورة كروان وإن كانت تساؤلاتها على مدار موادها المتعاقبة وبالذات فيما يتعلق بالعلاقات الزوجية والجزئيات المباحة للرجل بنصوص قطعية. . والله من وراء القصد.
Almonef 86 @ yahoo. com