;

أوراق من ذگرياتي ..الحلقة «19» 893

2009-02-17 04:37:05

أما الذي معذب فهو المرحوم أحمد علي الوشلي -الله يرحمه- زميلنا كان نائب وزير الإدارة المحلية، وفي كل زنزانة ثقب نشاهد منه الذي يدخل ويخرج، شاهدناه بعدما جاء من صنعاء، وعلمنا أن شخصاً زميلاً له كتب به تقريراً ، وقال: إنه مخبر على المشير السلال له وعلى النظام في صنعاء، وإنه مرتبط معنا، وهو ليس مرتبطاً معنا، وليس له علاقة، كان رافضاً وقريباً من عبدالله جزيلان ومن المشير السلال، وكان أقرب إليهم منا، وليس له أي موقف معنا، وإذا بهم يتهمونه بهذه التهمة، إنه مدسوس، وإنه تابع للمجموعة التي في القاهرة،والتي في خمر، ورحلوه من صنعاء على طائرة خاصة إلى السجن الحربي، وبعد يومين من دخوله السجن شاهدناه بعد أن حققوا معه مضروباً والدماء تسيل من قدميه، كذلك أحمد عبده سعيد كانوا يضربونه أيضاً، وربما الأخ أحمد دهمش تعرض للضرب أو أسيئت معاملته. أما العسكريون والمدنيون المعتقلون فلم يتعرض أحد منهم للضرب.

وأما يحيى مصلح فقد أخبرهم أنه أركان حرب، وهو حاد من مخاطبته ويدعي أنه قومي عروبي وطني ومن حقه أن يتكلم بنقاء الثورية، علقوا على هذا تعليقاً غير مناسب وغير لائق،وكان النقاء الثوري والطهارة هي السائدة عند جميع الضباط الذين تتراوح أعمارهم بين 26.25 والذين يتعرضون لتلك المتاعب والسجون بلا ذنب.

جميعنا كنا نزلاء في السجن الحربي ومقيمين فيه متساوين في الحقوق والواجبات.. وعدد من الإخوة كانوا محتجزين في القاهرة، أذكر منهم حسين شرف الكبسي ومحمد الإرياني، والقاضي عبدالكريم العنسي، وعبدالرحمن الإرياني، وعبد السلام صبره، ومحمد الثلايا، وهاشم عنقاد، وسعد الخميسي، ولطف العرشي ، لم يتعرضوا لأي أذى.

اعتقل الأستاذ احمد النعمان في السجن الحربي منذ أول يوم بعد المقابلة لشمس بدران، وأدخل في زنزانة انفرادية كبقية المعتقلين، والزنزانة مظلمة لا تعرف الليل من النهار، وعلى الرغم أن بها فتحة تحت سقفها وثقباً في بابها.

وأذكر أنه بعد ثلاثة أيام من انتقالنا إلى السجن رقم "2" أعادوا لنا السرير الميداني والبطانية والفرش بعد أن كانوا جردونا من الغطاء والفراش لمدة ثلاثة أيام في أشد أيام الشتاء برداً،وكانت ضيافتهم لنا في السجن الكبير المتعدد الأدوار، وقد شاهدنا جماعة الإخوان المسلمين وهم حوالي 400 سجين، حيث كان يوضع أربعة في زنزانة، وإذا جاء الخامس "وهذه من القصص المضحكة الحقيقية"، كانوا يخلونهم لوقت قصير في ساحة السجن، وبعد ذلك يطلعونهم مرة واحدة ويسألونهم أنتم كم في الزنزانة، أحياناً يزاد شخص خامس ، فيسألهم السجان: "أين الرابع بتاعكم يا أولاد الكلب" السجان لا يعرف شيئاً، وهذا ربما قد لا يصدقه الإنسان لكن تلك هي الحالة ، وتلك هي المعاملة، وفي العيد الكبير عيد عرفة عام 1967م أفرجوا عن مسجونين من زملائنا،منهم القاضي محمد الحجي ومحمد صبرة وطارق سنان أبو لحوم ومحسن السري، وعلي الربيدي.

وسجن الدكتور طارق وهو طالب يدرس في القاهرة،بدلاً من والده الشيخ سنان، وأفرجوا عنه مع بعض المعتقلين،واستمر اعتقالنا في السجن الحربي مع الإخوة المدنيين حسن مكي، وأحمد عبده سعيد، ومكثنا في السجن رقم "2" إلى ما بعد نكسة 1967م، وكنا متوقعين الإفراج عنا.. وبعد الهزيمة تكرموا علينا بإعطائنا نصف ساعة راحة في الشمس.. وكانوا يقولون لنا: لا تتكلموا مع بعضكم بعضاً، وكان كل واحد منا بباب الزنزانة جالساً ويده على خده "بيتشمس" أو يشم هواء وبعدها نعود إلى الزنازن.

وفي أحد الأيام سألنا الدكتور حسن مكي سؤالاً أردنا أن نسمع منه أي خبر يرفع المعنوية بخبرته السياسية، فبينما كان يتكلم همساً، والعسكري المراقب لنا كنا نسميه الأهبل، وهو شيطان في صورة أهبل فرفع صوته عليه، وشتمه وطلب إليه أن يسكت ثم شتمه مرة ثانية ،هنا حسن مكي انفعل وقال له: عيب عليك، تشتمني وأنا إنسان محترم، ونحن ناس محترمون، قال له: "اسمع يا بيه "ما فيش محترمون يدوهم هنا"..

هذه من الأشياء التي كانت تحدث إضافة إلى مداعبة علي الربيدي وعلي سيف الخولاني.

كنا نسلي أنفسنا ونتكلم ونحن متجهون إلى دورة المياه، حيث كانت الفرصة الوحيدة للحديث حينما نخرج إلى دورة المياه، استمررنا في هذه الحالة إلى 27 تموز / يوليو، بعدما زارنا اللواء وحيد، فجمعونا في 4 زنازن كبيرة، وانضم إلينا الأستاذ أحمد محمد النعمان فقط، ولم ينقلوا الفريق العمري، فرحنا بالأستاذ نعمان وسعدنا بوجوده معنا، وكما هو معروف عن الأستاذ النعمان خطيب وبليغ ومتحدث وسياسي وصاحب نكتة لاذعة، وفي يوم قلنا له: ما أقبح شيء قابلته في داخل السجن الذي أنت فيه؟ قال: "أقبح شيء أحد من زملائنا -لا داعي لذكر اسمه -كان مسجوناً قال: قابلت فلاناً الفلاني في أحد الأيام، ففرحت به، ومسكته وقبلته من علاوه إلى سفاله، وإذا به يقول لي: يا نعمان لا تكفر بالقومية العربية ولا بالعروبة ولا بعبد الناصر" ، قال : فقلت له: لعنة الله عليك وعلى من أداك إلى هنا وعلى العروبة حقك وعلى!!".

وهذا الشخص ربما كان مدسوساً على المساجين أو ربما بطريقة عفوية ساذجة، مكثنا مع الأستاذ النعمان، وبالمصادفة كان معه كتاب اسمه "الوجود والعدم" قال: أنا سوف أقرأ لكم كل يوم من كتاب الوجود والعدم "لسارتر".

وكل يوم كان يقرأ لنا صفحة من الكتاب، ويسألنا ماذا فهمتم؟ أجاب أحمد الناصر أحد المساجين من زملائنا : فهمت يا أستاذ أن الوجود وجود والعدم عدم.. هذه من نكت السجون فيها عبرة وفيها معرفة ومراجعة.

نكت النعمان

وقد حكى لنا الأستاذ نعمان كل قصته ، شأنه شأننا ، قال: أحسن ما في السجن أنه سوف يصلح أخلاقي ويهذبها، لأن المكتوب على باب السجن"إصلاح وتهذيب النفوس"، وزاد في تعليقه: إني وجدت لازم أتهذب وأصلح نفسي داخل السجن الحربي مثل اللواء حمزة بسيوني مديرالسجن الحربي! الذي قال له النعمان: "زائراً أم قاطناً" كان أقسى شخصيةٍ، وتوفي في حادث سيارة وحمزة بسيوني مشهور بتعذيب الإخوان المسلمين وغيرهم ممن دخلوا السجن، وقد التقى الأستاذ نعمان بالوزير شمس بدران بعد نكسة 1967م وعدد من الضباط المصريين داخل السجن الحربي بعد نكسة 5 حزيران / يونيو 1967م وخلال أيام الحرب في يونيو طلبنا أوراقاً، قالوا لماذا؟ قلنا: نريد نكتب رسائل للقيادة المصرية، نريد أن نخرج نستشهد ونقاتل مع إخواننا في سيناء، وكتبنا رسائل من غير أن نتفق عليها، قلنا فيها: إن كل واحد مستعد أن يخرج لكي يشارك إخوانه المصريين في معركة 1967م دفاعاً عن الأرض العربية والأمة العربية، وإذا لم تكتب لنا الشهادة أعيدونا إلى السجن.

هذه الرسائل كتبناها داخل الزنزانة يوم 5 حزيران / يونيو عام 1967م وهذا الموقف يدل دلالة على الصدق والإخلاص وبأننا أصحاب قضية عروبية. ولم يكن قضايا عدائية، ولم نتلق جواباً. يوم 27 حزيران/ يونيو 1967م زارنا اللواء وحيد وقال لنا: الرئيس عبدالناصر لم يكن عنده خبر بأنكم معتقلون ! والآن بعد الأحداث التي سمعتموها وانتحار المشير عامر و...إلخ وقع سوء تصرفات،والرئيس يأسف لما حدث ويقول لكم: خلال يومين ثلاثة " عتطلعوا" من السجن، سعدنا بهذا الخير وبالوعد بالإفراج عنا والعودة إلى الوطن، وعلى الرغم من ذلك بقينا من 27 تموز/ يوليو إلى 11 تشرين الأول / أكتوبر 1967م في السجن الحربي إلى أن تحقق، وبعد اجتماع اللجنة الثلاثية بالأستاذ النعمان والفريق العمري والقاضي عبدالرحمن الإرياني في قصر القاهرة، واللجنة برئاسة السيد محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان المنبثقة عن مؤتمر الخرطوم والتي سعت في إخراجنا من السجن الحربي.

كلام اللواء وحيد كان كلاماً سياسياً بأن الرئيس لا علم له بهذه القضية الهامة، ونحن نعلم أن النملة التي تدب في مصر عند الرئيس جمال علم بها، ما عدا اعتقالنا...! كلام لا يصدقه العقل، ويضيف اللواء وحيد في كلامه بأن المشير عامر وشمس بدران كانوا يحجبون المعلومات عن الرئيس وليس لديه معلومات عن اعتقال الحكومة اليمنية وقادتها العسكريين، وهذا المبرر فيه من السذاجة والكذب ما يؤكده استمرارنا في السجن لعدة شهور.<

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد