;

حرب غزة.. كشف حساب لسلوك إسرائيل العـسگري 850

2009-02-16 06:28:33

عدنان أبو عامر

بعد أن وضعت الحرب أوزارها في غزة، وعاد الجنود الإسرائيليون إلى قواعدهم العسكرية، وتم تسريح الآلاف من جنود الاحتياط، نرى من الأهمية بمكان تقديم "جردة حساب" لطبيعة السلوك العسكري الذي انتهجه "جيش الدفاع الإسرائيلي" في حربه الضارية على غزة التي زادت على الأسابيع الثلاثة.

فقد وصلت قيادة الجيش الإسرائيلي قبيل ساعة الصفر لبدء الحرب إلى قناعة مفادها أنه من أجل وقف تام لإطلاق القذائف الصاروخية لا بد من القيام بعملية عسكرية برية واسعة، وبالتالي بدأت المعركة من تاريخ 27 ديسمبر، وحتى اليوم الأخير لانتهائها يوم 19 يناير.

في أول هذه الحرب أبدى بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية وجملة من ضباط الجيش معارضة حاسمة لأي عملية عسكرية برية، انطلاقا من حجم الخسائر البشرية العالية التي قد يضطرون لدفعها، وما قد يتبعها من إعاقة لصيرورة الحياة الإسرائيلية، مقابل ما قد تحققه من إنجازات متواضعة.

وبتاريخ 3 يناير وصل رئيس الحكومة أولمرت لاعتراف مفاده أن قدرته على وقف إطلاق القذائف الصاروخية تجاه إسرائيل، هي التي ستحدد النتيجة النهائية للحرب، إيجابية أم سلبية؟

وبالتالي عزت الجهات المسئولة للجيش الإسرائيلي بدء الاستعداد للتحضير لهذه العملية البرية، مع ضرورة العمل وفق جدول زمني لا يتعارض مع الجهود السياسية المبذولة، وبدأ تجنيد عدد من وحدات الاحتياط مع بداية المرحلة، وطرحت هيئة الأركان اقتراحا يقضي بالسيطرة العسكرية الميدانية على بعض المناطق الحدودية من قطاع غزة بقوات عسكرية مكثفة.

بعد القرار الحكومي بالخروج لعملية برية واسعة، حُدد الهدف العسكري بوضوح: وقف القذائف الصاروخية، لكن هناك عددا من المعطيات الميدانية أصابت عنصر المفاجأة الإسرائيلي بضرر كبير أمام حركة حماس، مما يشير إلى أن هذه العملية التدريجية أصيبت في الصميم، ولم تستطع التأثير على مجريات وتطورات المعركة.

ولذا فإن المهمات المعلنة لم تعرف طريقها للتحقيق، وهي:

1- الوصول لمرحلة تطبيق التعليمات الميدانية.

2- المس بصورة كبيرة بقدرات حماس.

3- وقف القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل.

سلاح الجو

شكل سلاح الجو الجهاز الأكثر فعالية ومضاء خلال حرب غزة، وجاءت فعاليته انطلاقا من قدرته على توجيه نار قاسية عبر وسائل قتالية استهدفت أهدافا دقيقة.

وقد عمل سلاح الجو لتنفيذ مهمة غاية في الدقة في مساحة ضيقة نسبيا، ومن خلال عمل مكثف على ساحة المعركة، وفي تعارض مع الحروب السابقة، قام بتنفيذ مهام ذات قيمة كبيرة بالنظر لمهامه الكلاسيكية التي اعتاد على القيام بها:

أ - الحفاظ على التفوق الجوي.

ب - حماية سماء إسرائيل.

ت - حماية ومساعدة القوات البرية.

وإضافة لما تقدم، أنيط بسلاح الجو تنفيذ مهام أكثر تعقيدا، وفق معطيات أكثر صعوبة، وفاق العدد الإجمالي للطلعات الجوية التي قامت بها الطائرات الحربية والقتالية خلال الحرب، عددها خلال حرب يوم الغفران 1973، كما أشارت بعض التقديرات العسكرية الإسرائيلية.

وفي نطاق الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى، يمكن القول إن سلاح الجو نجح في إصابة بعض منصات إطلاق الصواريخ، وشهدت الأيام الأولى للمعركة تدمير عدد من منصات إطلاق صواريخ القسام وجراد، رغم أنها استمرت بالتساقط على مدن جنوب إسرائيل حتى اليوم الأخير من انتهاء الحرب.

وأظهرت عناصر سلاح الجو من خلال تنفيذ مهامهم تدريبا عاليا، تمثلت في التالي:

1- مساعدة القوات البرية تحت وابل من إطلاق النار.

2- إخلاء الجرحى من ساحة المعركة، وإحباط محاولات مقاتلي حماس أسر جنود إسرائيليين.

3- إيصال التموين اللازم للمقاتلين في أرض "العدو".

سلاح الجو إذن نجح في تشكيل ساحة لتنفيذ مهام عسكرية من خلال استعداد فائق، ومكان مناسب وملائم لانتشار مزيد من القوات خارج قواعدهم العسكرية، وأثبت نجاحا لاسيما من خلال تشغيله لمختلف قطعه الجوية التي عملت فوق غزة بسرعة مكثفة.

ومع ذلك، فإن سلاح الجو، مهما كان قويا، لا يستطيع أن يحل محل سلاح البر، كالقيام بمهام احتلال مناطق والسيطرة عليها، والوصول لمرحلة الحسم مع "العدو" - وهي حماس في هذه الحالة - على أرضها.

القوات الخاصة

خلال الحروب الماضية لم يتم تفعيل القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع الترتيبات النظامية والتخطيط المسبق، حيث اقتصر جوهر عملها على توسط العمل بين الحروب النظامية والعمليات الموضعية.

وخلال السنوات الأخيرة جنت إسرائيل فوائد جمة من وراء تفعيلها لهذه القوات، لاسيما عبر خوضها للمواجهات العسكرية المحدودة أمام الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث افتتحت عهدا جديدا من العمل في هذا المجال.

وفي حرب غزة الأخيرة تم العمل بصورة غير مسبوقة في هذه القوات، بجانب العمل الطبيعي للحرب الكاملة الدائرة هناك.

ومع ذلك، يجب التوضيح جيدا أن القوات الخاصة لا تستطيع وحدها أن تشكل قلب الإستراتيجية العسكرية للجيش الإسرائيلي، لأن المهام الخاصة تأتي لتكون "استكمالية"، ولأن الجهد الأساسي يكون منصبا أساسا على سلاح البر المناط به تنفيذ أهداف المعركة الحربية.

وحرب غزة، التي شملت تنفيذ عدد كبير من المهام الخاصة والعادية، الصغيرة والقصيرة، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يمكن إخضاع العدو من خلال الحرب فقط.

البناء والتنظيم

الجيش الإسرائيلي ظهر منذ بدايات إنشائه مصابا بعدة ثغرات أساسية غير مقبولة في العديد من الجيوش الحديثة في العالم، وتبلور بناؤه التنظيمي وترسخ بعد سنوات على إقامته، وأثبت جدارته خلال سنوات طويلة، استطاع من خلالها أن يحقق قدرته القوية أمام سلسلة من التهديدات المختلفة، ومعاركه المتلاحقة في السنوات الماضية.

في السنوات الأخيرة، خاصة منذ بداية العقد الأخير، حلت في الجيش بعض التغييرات البنيوية والتنظيمية، جزء أساسي منها ذو قيمة عليا، وجزء آخر جاء بناء على رؤى ونظريات أدلى بها قادته، الذين طلبوا عبر القنوات الرسمية تحسين وتفعيل قدراته.

وقبل ذلك وبعده، لعبت اعتبارات الموازنة السنوية الدور الكبير في إحداث تلك التغييرات، وما صاحبها من إجراء التقليصات اللازمة، وهناك عدد من التغييرات المركزية التي حلت بالجيش خلال السنوات الأخيرة، وكان لها أكبر الأثر في كيفية إدارته لحرب غزة.

سلاح البر

مع إقامة الجيش الإسرائيلي، اتخذت الهيئة العامة للأركان دور القيادة العليا لكل الحروب، وفقا لما تطرحه من نظريات، وعلى كل الجبهات، كما اعتبرت القائد الفعلي المباشر للمعارك البرية تحديدا، وانطلاقا من الدور المركزي للمعارك الميدانية في إقامة إسرائيل، التي منحت الجيش معطيات جيو - إستراتيجية، أوكلت لقيادة هيئة الأركان مهمة إدارة المعارك البرية.

سلاحا الجو والبحرية يخدمان في مهامهما داخل الهيئة العامة للأركان، واتخذا موقعا خاصا في بناء الجيش، وتفعيل باقي أذرعه وأسلحته، كما أن المخابرات اتخذت مكانا بارزا في قيادة الجيش، نتيجة لخطورة التهديدات الجيو - إستراتيجية التي تحيط بالدولة.

وجاءت حرب غزة في ذروة عملية بناء قوة سلاح البر، لاسيما في ضوء تكليفه بالقيام بعدد من المهام من قبل جهات مختلفة، وهناك من رأى أن هذا التوسع في مهامه وصلاحياته من شأنه أن يصل به إلى قمة ما يريده قادته، والخطوة الاستكمالية التي كانت مطلوبة من قبل هيئة الأركان تمثلت في ضرورة التنسيق الكامل بين الأذرع الثلاثة: البر، البحر، الجو، في ضوء أن كلا منها تتمتع باستقلالية كاملة في مجالات عملها.

ومن الممكن أن حرب غزة عرفت نوعا من عدم الوضوح في طبيعة مسئوليات سلاح البر، والعلاقات الإدارية التي تربط الهيئة العامة للأركان بقوات المعركة، في ضوء السيرة الذاتية التي تميز بها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي "غابي أشكنازي" الموصوف ب"مقاول تنفيذ العمليات العسكرية".

ولم يطرأ تغيير يذكر على طبيعة المعطيات الجيو - إستراتيجية التي تحياها إسرائيل، ومع ذلك، فقد زادت من مركزية وأهمية سلاح البر في الفترة الماضية.

كما أن المراحل التي مر بها الجيش الإسرائيلي جعلت من سلاح البر مكونا أساسيا بكل ما يتعلق ببناء القوة العسكرية له، وبالتالي منح الهيئة العامة للأركان السيطرة الكاملة والمباشرة، رغم أن الحقائق الجيو - إستراتيجية الإسرائيلية لم تساهم إلى حد بعيد في إقامة جهاز مستقل لسلاح البر بعيدا عن باقي الأجهزة.

الدعم اللوجستي

في الماضي أنيطت مهمة الدعم اللوجستي لمستويات قتالية داخل الجيش الإسرائيلي، انطلاقا من قناعة مفادها أنها مرهونة أساسا بالقدرات الميدانية لتفعيل القوات العسكرية، هذه النظرية هي التي دفعت باتجاه إقامة جهاز لوجستي مركب وواسع، بجانب باقي الأجهزة والوحدات القتالية التي تتبع جميعها للهيئة العامة للأركان.

في حرب غزة ظهرت للمرة الأولى نظرية جديدة، هي الدعم اللوجستي الواسع، وبناء عليها، لم يعد الأمر خاصا بالوحدات القتالية، ولم تصل المواد اللوجستية الداعمة مباشرة من الجهاز الذي أقيم خصيصا لهذا الغرض للقوات المحاربة في الميدان.

خلال مجريات الحرب الأخيرة كشف النقاب عن مشاكل صعبة وقاسية في مسألة توفير الجوانب التسليحية والخدمات اللوجستية المطلوبة بصورة ماسة للوحدات القتالية في ميدان المعركة، رغم حقيقة لم تكن غائبة عن قادة الجيش، وهي أن المعركة حدثت وأديرت على بعد كيلومترات قليلة فقط عن الحدود، وهكذا واجهت الطريقة التقليدية في توفير الدعم اللوجستي صعوبات جمة أمام إيصالها للجنود في الميدان.

القوى البشرية

خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت أصوات عديدة تطرح أفكارا جديدة ومختلفة فيما يتعلق ب:

1- "تقليص" حجم القوات البشرية والوحدات العسكرية.

2- تقليل مدة الخدمة العسكرية الإلزامية.

3- تحديد خدمة جنود الاحتياط.

وهكذا تطالب تلك الأفكار بضرورة "تصغير" حجم القوات البشرية، وعدم تكليف قوات الاحتياط بخدمة عسكرية طويلة الأمد.

وجاء تقليص حجم الموازنات المالية للمؤسسة الأمنية خلال السنوات الأخيرة لينعكس بدوره على تقليص الخدمة العسكرية في صفوف الاحتياط في ضوء تراجع التهديد "التقليدي"، وضرورة الحاجة لإجراء تغيير في القوات العسكرية، ودفعت تلك التطورات باتجاه اتخاذ قرارات تقليصية للعناصر البشري في الجيش.

علما بأن الروح العامة السائدة والآخذة في الانتشار مؤخرا في المجتمع الإسرائيلي تقلل من شأن الخدمة العسكرية ومن أهمية واجب التجنيد، والتساهل الآخذ في التزايد مع المتهربين من صفوف الجيش.

وهناك من ينظر في إسرائيل، لاسيما في مؤتمر هرتسيليا الأخير، بعين الخطورة لحالة التراجع في الدروس المقدمة للمجندين، سواء للمنخرطين في الجيش النظامي أو قوات الاحتياط، مما يتطلب من الحكومة توفير أهداف معينة ومحددة للخدمة العسكرية، لتلافي إمكانية تدهور قيمتها الآخذة في التزايد في المرحلة الراهنة، في ظل ما هو متوفر من معطيات تشير إلى أن الشبان دون ال18 عاما في المجتمع الإسرائيلي لا يلائمون مهمة الانخراط في الخدمة العسكرية لأسباب مختلفة.

أخيرا. . فإن الحرب على غزة أوجبت على إسرائيل أن تقيم مفهوما خاصا لمحاولة التكيف مع المخاطر المختلفة المتلاحقة التي تحيط بها من كل الجبهات، بالتنسيق الكامل مع البيئة الإستراتيجية الحالية، ومن شأنه الوصول لحالة توفيقية بين العمليات الميدانية للقوات العسكرية، والحاجة للتدريبات الخاصة بالقوات النظامية والاحتياط. . <

* كاتب وصحفي فلسطيني

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد