;

مَن يرمي مَن في البحر ؟ 703

2009-02-16 06:21:53

بقلم :محمد حسين اليوسفي

لا يريد المرء كبير عناء لمتابعة أطروحات اليمين الإسرائيلي الذي يتنافس في الانتخابات الحالية، فالفضائيات لم تقصر في ذلك، وجعلتنا نواكب أقوال هؤلاء وغيرهم وكأنهم معنا في صالات جلوسنا!!

وكم يتحسر المرء حينما يرى انقلاب الآية بين تلك الأيام التي كنا عازمين العقد فيها على «رمي الإسرائيليين في البحر» وبين هذه الأيام التي نشاهد بأم أعيننا ونسمع بآذاننا دعوات كتلك، تصدر من أفواه مرشحي اليمين الإسرائيلي!! فهذا برنامج أفيغدور ليبرمان ينص صراحة على تصفية الوجود العربي في فلسطين لكي تكون الدولة العبرية يهودية قلباً وقالباً!!

لا نعلم ماذا سيفعل ليبرمان وأمثاله بإخوتنا الفلسطينيين، لكن الأرجح أن ليبرمان وأضرابه من المتعصبين العنصريين لن يرموا هؤلاء في «البحر» لأنهم يعتبرونه بحرهم، بل سيدفعون بهم صوب الشرق ليحققوا بذلك حلم شارون، بل حلم الغالبية الساحقة من الإسرائيليين الذين يخشون من تبعات التركيبة الديموغرافية، حيث نمو العرب سيجعلهم في نهاية المطاف الأكثرية.. والعجيب في زماننا هذا أن العرب، وهم المغتصبة أرضهم، باتوا هم الذين يطالبون بالسلام بعد أن اعترفوا بحق إسرائيل في الوجود، في حين أن إسرائيل هي التي تتعنت وترفض وتماطل وتسوف!!

وأصحاب الأرض وهم الفلسطينيون قد تخلوا عن حلمهم باستعادة أرضهم من البحر إلى النهر، وارتضوا بإنشاء دولتهم على 22% فقط منها، فاعترفوا بالقرار 242 في العام 1988 ودخلوا في مفاوضات مباشرة في مؤتمر أوسلو في العام 1993 ليتوصلوا إلى اتفاق سلام، بيد أن هذا السلام صار أثراً بعد عين حينما ما طلت إسرائيل وسوفت وبحثت عن كل الذرائع والحجج للتلكؤ في تحقيق التزاماتها والانسحاب من تلك الأراضي التي تم الاتفاق بين الطرفين عليها.

وكانت الكارثة في مؤتمر كامب ديفيد الثاني في العام 2000 حينما أثبت حزب العمل برئاسة أيهود باراك - وهو ما يفترض فيه أنه الحزب المعتدل الذي وقع اتفاقيات أوسلو ؟ أثبت هذا الحزب أنه غير مستعد للتنازل حول الأمور الجوهرية وعلى رأسها الانسحاب من القدس الشرقية وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم!!

إن تجربة العرب في التفاوض مع الإسرائيليين مرة وتمتد إلى عقود ثلاثة، وبهذه المناسبة وفي أول هذه السنة كشفت الحكومة البريطانية كعادتها تقييم وزارة خارجيتها السري لاتفاقية كامب ديفيد التي عقدت في سبتمبر من العام 1978 بين مصر بقيادة الرئيس أنور السادات وبين الجانب الإسرائيلي وهو رئيس وزرائها مناحيم بيغن. ومن المعروف أن وثيقة كامب ديفيد ذات شقين الأول متعلق بمشروع إحلال السلام في الشرق الأوسط، أما الثاني فهو مشروع اتفاقية للسلام بين مصر وإسرائيل.

وفي هذا الإطار تبدي وثيقة وزارة الخارجية السرية ( التي كتبت في 27 سبتمبر 1978 أي بعد عشرة أيام من توقيع المعاهدة ) تبدي شكوكاً حول قدرة تلك الاتفاقية على حل الصراع العربي الإسرائيلي فتقول: «رغم أن الشق الخاص باتفاق السلام بين مصر وإسرائيل واضح المعالم ويحوي كل العناصر اللازمة لهذا الاتفاق، فإن الشق الآخر تكتنفه الضبابية في العديد من جوانبه ولا يقدم أي أساس واقعي لحل للمشكلة الفلسطينية، وهي جوهر الصراع في المنطقة».. ويضيف كاتب التقرير السري، ام اس وير، مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية: «إن صمت المعاهدة في ما يتصل بمسألة القدس البالغة الحيوية، والغموض الذي يكتنف كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الشتات يدعوان المراقب لالتزام جانب الحذر الكبير في أي تفسير يفيد أن معاهدة كامب ديفيد خطوة واسعة إلى الأمام في إطار الجهود لإحلال سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط»!!

هذا الرأي لم يكن خاصاً في تلك الأيام بل هذا ما توقعه معظم المراقبين لعل على رأسهم وزير خارجية مصر السيد إسماعيل فهمي، الذي استقال قبيل زيارة السادات للقدس في نوفمبر من العام 1977، والذي شارك في جميع المفاوضات السابقة لكامب ديفيد، فهو قد تنبأ في كتابه الموسوم: «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط» والذي نشر في العام 1982 في صفحته ( 346 ).

حيث يقول: «إن السلام لا يمكن أن يدوم ما لم يحدث على المعاهدة تعديلات جذرية». ثم يستدرك ليبين: «ويجب أن يكون واضحاً أنني لا أقول أن نشوب حرب جديدة بين إسرائيل ومصر هو أمر حتمي، ولكني أشير إلى أن مهمة التوصل إلى حل دائم يزيل إلى الأبد خطر الحرب في الشرق الأوسط مازالت بعيدة جداً»!!

وصدق إسماعيل فهمي حقاً وأولئك الذين تشاءموا أو تشككوا في قدرة المفاوضات على الشكل الذي تمت به وحسب موازين القوى أن تصل إلى نتيجة، بالذات في حل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، أي وضع حد لمأساة الشعب الفلسطيني. إذ توالت الحروب إلى يومنا هذا ولم تفض المفاوضات إلى الآن لشيء، ولعل صعود اليمين الآن قد يحقق حلم الإسرائيليين في رمي المتبقي من الشعب الفلسطيني خارجاً عن وطنه، بعد أن كان العرب يريدون «رمي الإسرائيليين في البحر»!! .<

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد