علي صالح القادري
إلى الذين تحملوا بالنيابة عن أمتهم وأبناء جلدتهم ومِلَّتهم طيلة عشرين يوماً ونيف مهمة الدفاع عن أرض الأمة. . عن عرضها. . عن شرفها وكرامتها. . عن دينها وتأريخها. . عن حاضرها. . عن غدها ومستقبل أجيالها. . عن حقوقها. . إليكم يا من أبكيتم العالم وأذهلتموه ببأسكم، بِجَلَدكم وصبركم، بعزتكم وشموخكم وأنتم تواجهون الموت المتربص بكم من كل حدب وصوب: من بركم، من بحركم، من جوّكم بصدوركم العارية ورؤوسكم الشامخة وإرادتكم الماضية مُضِيّ الحسام، متصدين لآلة الحرب الإسرائيلية الحاقدة التي لم تدخر مكاناً على ظهر اليابسة والماء من حولكم والجو من فوقكم إلا وتموضعت فيه لتصب بالأطنان حمم قذائفها وصواريخها المتقدة حقداً وخبثاً ووحشية على رؤوسكم، ناهشة أجسادكم، أجساد أطفالكم وشيوخكم ونسائكم ورجالكم. . سليمكم وسقيمكم. . مُعِملةً معاول حقدها ونيران غِلّها في بيوتكم ومشافيكم وملاجئكم ومآويكم ومدارسكم وأشجاركم وأحجاركم وكل ذرة رمل من رمالكم، كل هذا العدوان وهذه الوحشية وأنتم صامدون صمود الليوث، ثابتون ثبات الرواسي ونحن صامتون صمت البلداء، متفرجون، متباكون، متخاذلون، متناحرون، عاجزون.
إليكم تعتذر الكلمات وتخجل الحروف لعجزها عن الفعل مثلكم، لقصورها حتى عن بلوغ ما تصبو إليه من إنصافكم مادحةً صمودكم وبسالتكم كانت أو مواسية لكم في جلل مصابكم وعظيم تضحيتكم.
إليكم أيها الأعزة الغزيون يا من سطرتم بدمائكم الغزّية العربية الأبية لا العربية / العربية التي لوثتها جراثيم التخاذل والتنازل تلو التنازل حتى قتلت فيها روح الغيرة والنُّصرة والنجدة وكل معاني الإباء والكبرياء، إليكم وأمامكم تنحني الحروف إجلالاً وتتوارى خجلاً واستحياءً وهي تسطّر بالأسود على الأوراق وصفحات الصحف ما تراه دون الواجب ممّا تستحقون، يا من سطرتم بالأحمر القاني من دمائكم وهي تراها تتدفق في كل مكان، وتروي كل شبر في غزة حتى وإن لم ترو ضمأ اليهود المتعطشين لدمائكم، ولم يشبع نَهَم ساديّتهم المتلذذة بمنظرها المسفوح وأشلائكم المتناثرة على تراب أرضكم وجثثكم المتراكمة في الطرقات. . في الردهات. . و"في فوضى حطام الدور". . . وفي كل مكان طالته آلتهم الحربية الحاقدة المتعددة الأسماء والمسميات والنوع والأثر.
إليكم تعتذر الحروف لتبلد مشاعرها الذي اكتسبته من مشاعر أصحابها الذين لم يعد يؤثر فيهم ما يرونه من وحشية وبربرية عدوكم وعدوهم فينفضوا عنهم غبار التقاعس والخذلان، ويحطموا أغلال ذلهم ويكسروا قيود عجزهم وجبنهم وتواريهم خلف الكلمات والخطب والحروف المكرورة الممجوجة واكتفائهم بالتحسر الآني ولطم الخدود أكثر من أم ثكلى من أمهاتكم المفجوعة في غير واحد من أبنائها وأحبائها.
نعلم يقيناً أن ما نسطره بالمداد لا يساوي حرفاً سطرتموه بدمائكم في سجل الصمود بفعلكم البطولي وتضحيتكم الأسطورية في وجه عدو مستعمر غاشم وآلة عسكرية عمياء لم تستثنٍِ أحد اً منكم طفلاً كان أو شيخاً عاجزاً أو امرأةً ومع ذلك لم يفت ذلك في عضدكم ولم يوهن عزيمتكم وإصراركم على التمسك بحقكم في الحياة، في الوجود على أرضكم التي حاول العدو أن يستأصل شأفتكم منها ليقضي بذلك على ما تبقى من نخوة وإباء ومقاومة وتمسك بالحق والأرض تمثلت كلها فيكم وسُلِبت مع الأسف من إخوانكم ولكن مسعاه خاب وآماله تهاوت أمام صخرة صمودكم وإصراركم ولم يجن من جرائمه تلك سوى مقت شعوب الأرض المؤمنة بنضالكم وعدالة قضيتكم، ولعنة ستظل تلاحقه إلى أبد الآبدين.
نعتذر إليكم لأن ما نسطره لا يساوي شيئاً أمام ما سطره شهيد ضحى بروحه أو جريح روى بدمه ثرى أرضكم، ولا يساوي شيئاً أمام دمعة من عيون طفل من أطفالكم وجد نفسه واقفاً على أطلال داره يرثيها ويرثي كل من كانوا بالأمس فيها من أهله وأحبائه، ولا تساوي أنَّةً من أنين جرحاكم ومصابيكم أو صرخة استغاثة ونُدبة لمن لا يسمع من قادتكم وقادة أمتكم انطلقت من فم أم من أمهاتكم. . قادة الأمة الذين أثروا التفرج عليكم وهم يرونكم تُذبََحون وتُقَتلون على مرأى ومسمع منهم. . دون أن يصدر عنهم فعل ينتشلهم من حالة الذل والخنوع إلى مرتبة الإباء والكبرياء التي افتقدوها حتى أصبح يقال: اقتدوا بشافيز بدلاً من القول اقتدوا بفلان منهم. . افتقدوها منذ أن آثروا الكلمات والخطابات والندب والشجب والسياسات وحسابات المكسب والخسارة وإيثار السلامة وإغراء السلام الذي خدعوا به أنفسهم وضلّلوا شعوبهم وأوردوها المهالك والهوان حتى استحقوا واستحققنا معهم عن جدارة قول نزار في قصيدة له يمدح فيها أطفال غزة:
"نحن أهل الحساب والجمع والطرح فهاتوا حبالكم واشنقونا".
أخيراً وبلغة الحساب أيضاً لقد غدا الواحد منكم رقماً ذا قيمة ودلالة أما نحن فليس الفرد فينا سوى صفر على شمال واحدكم لا قيمة له ولا دلالة. <