منيف الهلالي
دم ينزف، أرض تحترق، منازل تتساقط على رؤوس ساكنيها، آلة عسكرية تعثوا فساداً بأجساد أطفالها، منازلها، شيوخها، نسائها.
إنها غزة العزة والصمود، تلك المدينة التي اغتسلت بدماء أبطالها مآذن القضية، في الوقت الذي ظلت الأنظمة العربية تتصارع حول من يكون الأجدر بالعمالة لأميركا وربيبتها إسرائيل.
دول تسمى بالممانعة وأخرى بالاعتدال، وكل منهما يجري في فلكه الخاص بعيداً عمَّا يجري في غزة، فلا دول الممانعة لوحت بفتح حدودها للمجاهدين أو بإطلاق صواريخها المكدسة على إسرائيل، ولا دول الاعتدال من جهتها فعلت شيئاً يذكر، بل إن البعض منها تواطأ مع العدو الصهيوني بطريقة مزرية للغاية، ربما لم يكن يتوقعها حتى أعداء المقاومة أنفسهم.
حراك وحراك مضاد، كل طرف من أطراف المعسكرين الممانعة والاعتدال يريد تعرية الطرف الآخر وكلهم في الحقيقة عرايا، في ظل مواقفهم المخزية أمام ما يجري لإخوانهم الأبرياء في قطاع غزة، فقط دغدغة للعواطف بمصطلحات منتهية الصلاحية، وفلسفات كاذبة مل منها الشارع العربي واقتنع تماماً بتفسخ ضمائر أصحابها وتبخر كرامتهم.
قمة في الرياض لإجهاض قمة الدوحة، وقمة في الدوحة لإحراج قمة الكويت، وقمة في شرم الشيخ لتجميل وجه القيادة المصرية المشوه وتطبيب الطعنة الغير متوقعة من الصديقة ليفني باتفاقيتها الأمنية مع واشنطن، أما قمة الكويت والتي سميت بقمة التصالح العربي لم تكن بالمستوى المأمول الذي كان يرقبه الشارع العربي والإسلامي، ولم تكن بقدر التضحية والانتصار اللذين قدمتهما المقاومة الفلسطينية وإنما مسخرة ومهزلة بحق الشعوب العربية وإسفافاً بعقولهم.
لعمري ماذا جنى أطفال ونساء وشيوخ غزة حتى تعاقبهم القيادات العربية بهذه القسوة المؤلمة؟
لقد بحت أصواتهم وهم يستغيثون، لكنها مسامع القادة العرب وحدها أبت أن تستشعر أصداء الاستغاثات التي دوت بأرجاء الدنيا وسمعها القاصي والداني، بل إنهم اعتكفوا على مشاهدة صديقتهم المسعورة ليفني وهي تتمايل على شاشات التلفزة منتظرين منها وبفارغ الصبر الإعلان عن اجتثاث حركات المقاومة من أرض غزة وإلى الأبد كما تم الاتفاق عليه مسبقاً.
عموماً لا عزاء للشعوب العربية بعد كل هذه المهازل من قياداتها المترهلة سوى رائحة النصر العظيم الذي يفوح شذاها فخراً واعتزازاً وقد تخطت سماء المتواطئين مع الصهاينة لتنتشر في أرجاء المعمورة وتعطر كل الشرفاء المحبين للعزة والكرامة والشموخ.
إن ما سطرته المقاومة الباسلة في "غزة هاشم" ليس أمراً طبيعياً، بل آية من آيات الله عز وجل وعد بها أهل الرباط فقال على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"، قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "بأكناف بيت المقدس".
فهذا الصمود الأسطوري الذي انعدم نظيره منذ أتت بريطانيا بأحفاد القردة والخنازير إلى أرضنا العربية أمام أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، ورابع قوة على مستوى العالم بدون ظهر تستند إليه كما كان الحال عند المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006م يدل دلالة قاطعة على وجود معجزة إلهية أكرم الله فيها هؤلاء الأشاوس الأبطال في أرض الكرامة والفداء، استطاعوا من خلالها كسر غطرسة الدول العبرية وتمريغ كبريائها في التراب وتلقينها درساً لن تنساه مطلقاً.
Almonef 86 @ yahoo. com