بقلو / نواف الزرو
ارتقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مواقفه السياسية والمبدئية تجاه الجريمة الإسرائيلية إلى مستوى لم تقترب منه أية جهة دولية ولا عربية، ففي الوقت الذي يطالب فيه أردوغان بمحاكمة «إسرائيل» ومنعها من دخول بوابات الأمم المتحدة مثلا، يرفض بعض القادة العرب التوقيع على وثيقة تطالب بتقديم قادة «إسرائيل» لمحكمة الجنايات الدولية. . . !
ففي كلمة ألقاها في أنقرة ونقلتها محطات التلفزيون قال أردوغان: «إن إسرائيل لا تضرب قواعد عسكرية أو مقار عامة للجماعات المسلحة، فحماس أصلاً لا تملك منها شيئا، إن إسرائيل تضرب المناطق السكنية والمستشفيات والمساجد والمدارس»، مضيفا: «الوصايا العشر تقول لا تقتل. . . الخ، وعلى رغم تلك القوانين الواضحة.
فبأي دين أو أي نظام قانوني يمكن أن تبرروا مجازر الأطفال الأبرياء» مردفا: «ينبغي منع إسرائيل من دخول مقر الأمم المتحدة بسبب تجاهلها دعوة مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة»، موضحا: «إسرائيل لا تلتزم بقرار الأمم المتحدة الملزم في ما يتعلق بوقف إطلاق النار هذه عادة لإسرائيل، فإسرائيل دولة لم تلتزم بمئات من قرارات الأمم المتحدة في الماضي، وأريد أن اسأل الأمم المتحدة. .
كيف يمكن السماح لدولة تتجاهل باستمرار قرارات مجلس الأمن الدولي بالدخول من بوابات الأمم المتحدة»، وأضاف أردوغان «استهدفت إسرائيل الأمم المتحدة في غزة أثناء وجود (الأمين العام للأمم المتحدة) بان كي مون في إسرائيل، ما يشكل تحديا للعالم وسخرية منه».
وليس ذلك فحسب، بل إن رئيس الوزراء التركي يتيح لنا بتصريحاته فرصة فتح ملف العلاقات بين «إسرائيل» والأمم المتحدة، وعلى نحو أدق ملف السياسات الإسرائيلية الاحتقارية تجاه الأمم المتحدة وقراراتها في القضية الفلسطينية. . . !
ففي اقرب واحدث مواقف لها ولقادتها، وبينما زعم الجنرال باراك في لقاء مع جنود إسرائيليين «أن إسرائيل تحترم الأمم المتحدة»، أعربت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني عن «رفض الحكومة الإسرائيلية القاطع لقرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن، بل ودعت نظراءها العرب الذين قالت إنهم «انتقلوا للعيش في نيويورك» إلى فهم أن القرار «لا يعني لإسرائيل شيئاً».
وقبل ذلك كتب روني سفير في يديعوت أن الحكومة الإسرائيلية أعربت عن ارتياحها من حقيقة انه لم يتخذ مجلس الأمن قرارا يتعلق بما يجري في غزة»، وقالت مصادر سياسية إسرائيلية «انه حتى لو اتخذ مجلس الأمن قرارا ضد إسرائيل، فانه لا يجب الانفعال من ذلك، وبالتأكيد فان الأمر لن يعيق للعملية البرية».
والملفت ان هذا الاستخفاف الإسرائيلي بالأمم المتحدة وقراراتها ليس جديدا أو عابرا أو لمرة واحدة. . فهناك تراث من الاحتقار الإسرائيلي للأمم المتحدة رغم أن كل قراراتها تجاه «إسرائيل» مع وقف التنفيذ. . .
فقد كان دافيد بن غوريون أول رئيس للحكومة الإسرائيلية قد كناها-وصفها- باحتقار قائلا: «أوم شموم» (أوم - اختصار هيئة الأمم المتحدة بالعبرية، شموم - لا شيء). في حرب العام 1948»، ويوثق لنا أوري افنيري اليساري الإسرائيلي المناهض للسياسات الإجرامية الإسرائيلية عن بن غوريون قائلا: «لقد خرق بن غوريون آنذاك دون تردد قرارات وقف إطلاق النار التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة عندما كان الأمر مريحا له لقد خرق هو ومن خلفه، طيلة عشرات السنوات، معظم القرارات المتعلقة بنا، بادعاء أن هناك أغلبية مسيطرة للكتلة السوفييتية ودول العالم الثالث ضد إسرائيل».
ويأتي المحلل الإسرائيلي المعروف ألوف بن اليوم في ظل المحرقة الإسرائيلية في غزة ليتحدث عن هذا التعاطي الاحتقاري الإسرائيلي مع الأمم المتحدة وقراراتها في هآرتس- «عندما اتخذ مجلس الأمن خلافا لرأي إسرائيل، القرار رقم 1860، والذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فمن الذي أعلن أنه لن يقبل به ومضى في القتال؟ إنها بالطبع إسرائيل»، ويشرح بن الخلفيات قائلا: «لم تقرر إسرائيل بعد إذا كانت ترغب في أن تصبح عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي، وأن تدفع ثمن هذه «الطبيعية».
أو أن تظلّ وحيدة في الخارج، بدأت هذه الحيرة منذ قيام الدولة تقريبا واستمرت منذها، هنالك ميل طبيعي لدى السياسيين الإسرائيليين بأن يروا الأمم المتحدة ومؤسساتها بأنها «صحراء»، كما كان قال دافيد بن غوريون، منظمة معادية، تسيطر فيها غالبية معارضة لإسرائيل، حيث لا ينقذنا من أيادي هؤلاء سوى الفيتو الأميركي».
وابعد من ذلك- ففي تعقيبه على قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت في نهاية نوفمبر/2006، قال نائب المدير العام للمنظمات الدولية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، روني لاشنو، إن هذه القرارات هي «نكتة». . .
وبرأيه: «الأمم المتحدة تعتبر أن تلك القرارات «تقليدية»، ويزيد: «لا تحمل الإدانة أي معان خاصة، فتلك قرارات متكررة تتخذ كل عدة سنوات»، ويشرح: «قد يكون هناك من تفاجأ، ولكن القرارات أصبحت تقليدا، فقد حدث السنة الماضية وقبل 20 عاما وقبل 30 عاما». ويلخص: «لا جديد تحت الشمس».
حسب المشهد الاممي وأرشيف القرارات الدولية المتعلقة بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المغتصبة، فإن هناك اليوم نحو 845 قرارا دوليا صادرا عن الأمم المتحدة ومؤسساتها ولجانها المختلفة. .
غير أن كل هذه القرارات الملزمة منها وغير الملزمة أصبحت متراكمة مغبرة على رفوف المنظمة الدولية، بعد أن رفضتها الدولة العبرية وضربت بها عرض الحائط، أو بعد أن استخدمت الولايات المتحدة «فيتو» الظلم والعربدة والطغيان ضدها.
فلتحتشد الطاقات والجهود العربية إذن وراء دعوة أردوغان لمعاقبة «إسرائيل» على احتقارها للقرارات والمواثيق الدولية بطردها من المنظمة الدولية، وهذا اضعف الإيمان بالنسبة لعربنا. . . ؟!
فالأمر ممكن ومساحته وأدواته العربية واسعة وكثيرة إذا ما جد الجد لدى امتنا ودولنا وأنظمتنا. . والمسألة في نهاية الأمر مسألة إرادة عربية سياسية سيادية. . أليس كذلك؟!!. <
كاتب فلسطيني