إلى أين تمضي بنا الأيام ونحن نتقلب في مدارجها. . لاهين، عابثين، لاهثين، معذبين ومُعذِبين ؟
ما الذي يخبئه لنا القدر على وجه البسيطة عموماً وعلى هذه الرقعة الجغرافية التي تقع في جنوب جزيرة العرب والتي اسمها (اليمن) خصوصاً؟
رهانات خاسرة وحوارات فاشلة وحسابات خاطئة ومماحكات ممقوتة وسياسة غامضة وواقع مدمر ومستقبل مجهول كل هذا بل وأكثر من هذا حاصل في هذا البلد الذي صار الفقر والجهل والحماقة والفساد واللامبالاة والخلاف والاختلاف والغش عناويناً بارزة له فلا يذكر الفقر في أي مكان من العالم إلا ويذكر معه اليمن ولا يذكر الجهل في أي مكان من العالم ألا ويذكر معه اليمن ولا يذكر الفساد إلا ويذكر معه اليمن ولا تذكر اللامبالاة وتجاوز وتطويع القوانين واللوائح إلا ويذكر اليمن ولا يذكر خلاف الأحزاب السياسية المزمن والغير مجدي في أي مكان في العالم إلا ويذكر اليمن كأنموذج فريد لكل ذلك وما يذكر إحباط أي مواطن في العالم إلا ويذكر معه إحباط ويأس المواطن اليمني في إصلاح وتغير الأحوال إلى الأفضل. لقد أصبحنا في هذا البلد كمواطنين نعدم كل المميزات الايجابية التي كان آباؤنا وأجدادنا حتى عهد قريب يتفاخرون بها أمام الآخرين، كشجرة البن مثلاً التي كانت تشتهر بها اليمن قُلِعتْ واستُبدِلْت بشجرة القات اللعينة، كذلك كلمة السعيدة التي ارتبطت واقترنت وأُطِلقتْ على اليمن منذ مئات وآلاف السنين لم تعد ملكنا ولم تعد مطابقة لواقعنا الحزين، أضف إلى ذلك الكرم الذي كنا في هذا البلد نُعرف ونتميز به اليوم صار معظمنا يبحث عن المكائد والخطط كي يوقع بالضيف أو المستثمر الأجنبي، وأشياء كثيرة منها الحكمة والإيمان ورقة القلوب ولين الجانب لم نعد نصادف من هذه الصفات في وجوه وقلوب وسلوكيات الناس إلا النزر اليسير جداً.
في الواقع لقد فقدنا كثيراً من بريق إنسانيتنا وحضارتنا وتاريخنا، لقد فقدنا الحياة الكريمة وصفة الوطنية والإخلاص لذواتنا وشعبنا وقيمنا وعقيدتنا، فقدنا كل ما من شأنه أن يساعدنا على النهوض أو الاستمرار الطبيعي في معترك الحياة الصاخب بألوان الحداثة وجنون التكنولوجيا. فقدنا ذلك لأننا لم نتمسك ولا بفرصة واحدة من الفرص الكثيرة التي تهيأت لنا كي نعمل من خلالها ونراجع حساباتنا وسلوكياتنا وأنفسنا. نقول نحن لا نبالغ هنا في سرد هذا النزف، كما أننا لا نسد الأفق أمنامنا ونحكم على أن الأمل والانفراج بأنه غدا مستحيلاً عند الكثيرين منا، لكن وهذه كلمة حق لقد سئمنا ونحن نستجدي الأمل وسئمنا مواعيد وتهريجات الإعلام، الفقراء يزدادون فقراً ويرتفع عددهم كل يوم، والأغنياء يزدادون غنى وعظمة وكبرياء. منذ سنين خلت ونحن وإعلامنا وسلطتنا نعزف على وتر أحلام رفاهية الانضمام للمنظومة الخليجية، هذه المنظومة التي لا يهمها وضعنا ولا تكترثُ لحالنا ولا عندها الاستعداد لدعمنا، هذه المنظومة التي لم يعد أمل فيها سيما وهي تتأفف من وضعنا وتزدري جهلنا وتغمض عيونها عن مشاهدة طوابير وأكواخ وطرابيل فقرائنا. شعوب الخليج التي جاءت من الخيمة والصحراء والبادية ومن هنا من هذا البلد الذي ما زال البعض يعترف له بأنه أصل العرب ومهدهم الأول ومنبعهم، هذه الشعوب لم تعد تحترم الخيمة إذا كانت منصوبة في مأرب أو شبوة أو الجوف، أو حضرموت أو المهرة، فلم يعد لدى هذه الشعوب ذلك الشعور الفطري الذي يتخيله البعض على أنهم جزء لا يتجزأ منا، هذه الشعوب الشقيقة التي أحالت بإمكانياتها النفطية المهولة الصحاري القاحلة إلى أنهار وجنان وبساتين وغابات من الاسمنت، لقد صارت هذه الشعوب - وهذا واقع - تُحلق في عالم خاص بها وتنظر من برج عالٍ باتجاه عوالم أخرى وآفاق أخرى لا يمكن لها أن تنحني بقامتها وتنظر إلى الجنوب، أو إلى الأسفل.
إذن فلندع أحلام وترهات الرفاهية الموهومة في هذه المنظومة، لندع هذا الحلم. ونتفق أولا سلطة ومعارضة ومنظمات مجتمع مدني، نتفق لإصلاح بلدنا، نتفق من أجل اليمن. على السلطة أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال، على السلطة أن تحارب الفساد، تحاسب الفاسدين، ترحم نفسها وترحم هذا الشعب الذي فجرته وفجرت صبره بمواعيدها السرابية االهلامية، على السلطة أن توظف القروض والمنح والهبات وعائدات النفط وما حُصّل من ضرائب وجمارك وزكوات من أجل الوطن، من أجل البناء، من اجل التعليم، من اجل مشاريع التنمية وتثقيف الناس، وليس من اجل الفاسدين الذين يستولون على هذه الأموال ويوظفون ما نسبته أقل من 20% فقط في المجال التنموي وأكثر من 80% إلى جيوبهم، على السلطة أن تحترم هذا الشعب وتدرك بأن المنجزات التي تحققت وأولها الوحدة الوطنية يجب أن تُحصّن وتٌحاط بسياج وحصن منيع من النزاهة والمساواة وتجسيد مبدأ الشفافية والمواطنة العادلة للجميع ومعاقبة مصّاصي دماء هذا الشعب، على السلطة أن تٌثبت لهذا الشعب وطنيتها حينما عملت على تحقيق الوحدة وحفظ كيان الدولة في مراحل خطيرة وأوقات عصيبة، على السلطة أن تكرس في نفوس الناشئين والمواطنين والفاسدين مفهوم الوطنية ومبدأ الحساب والعقاب، على السلطة أن تحترم دموع الفقراء والمهضومين والغيارى على هذا الشعب ووحدته، على السلطة أن تحترم تاريخ ورصيد ومنجزات رجلها الأول فخامة الأخ / علي عبدالله صالح، على السلطة أن تحترم من ينظر إلى صورة فخامته بحب متدفق وفيض شعوري عجيب، وهو يؤمن ألا بديل له ولا يوجد أي رجل قادر على قيادة البلد سواه مهما كانت المصاعب، على السلطة أن تحترم هذا الاحتراق الذي نعاني منه وتعمل على نبش أوكار الفاسدين وآكلي المال العام ومسخري الوظيفة العامة وأموال الشعب لمصلحتهم، وعندما يتم هذا ستبحث عنا المنظومة الخليجية تلقائياً، أما ونحن على هذه الحال فلن تقبل بنا حتى الدول الأكثر فقراً وجهلاً منا ولا حتى جمهورية أرض الصومال والقبائل المتصارعة هناك. .