رتبط قيمة الشخص بدرجة تهذيب وأداء سلوكه الاجتماعي وليس بمنصبه أو بمقدار ما عنده من المال، ويراعي السلوك الراقي تطبيق الكياسة بمفهومها الواسع الذي يعني مراعاة واجباتنا نحو الآخرين وكيفية أدائها بشكل لائق، وكذلك مراعاة السلوك وقواعده التي يجب التزامها طبقاً للعادات والتقاليد والأعراف والقيم الدينية السائدة. إن سلوكيات الشخص تمثل الدرجة الأولى ثم ما يكتسبه من أسرته وخبرته الشخصية تلعب دوراً في سلوكياته وتحديد معالم شخصيته. إن السلوكيات الإنسانية الراقية لا تقتصر على بعض القواعد المحددة التي يجب ممارستها في هذه المناسبة أو تلك أو ذلك الموقف، بل تتعداها إلى حسن التصرف في الظروف المفاجئة، والظروف المفاجئة أو المواقف لا تحتاج إلى سلوك أو تصرف متهور، فإن التصرف الغير متزن والمتهور في المواقف المفاجئة يجعل الفرد أو ينقله من مصيبة إلى أكبر، فيتورط في أعمال كان يستطيع أن يجنب نفسه والآخرين شر تصرفه. إن السلوك الحسن والتصرف الحكيم في المواقف المختلفة يجلب لصاحبه احترام وتقدير الآخرين، وأيضاً يجنبه مشاكل عديدة هو في غنى عنها، ومن أجل حياة سعيدة ومطمئنة لا بد أن يكون هناك شعور بالآخرين، وأن نحدد سلوكنا وتصرفنا معهم مهما كانت الظروف ومهما كانت المواقف، فالله سبحانه وتعالى قد ميز ابن آدم بالعقل، هذا العقل الذي قد توصل إلى صنع المعجزات، وما التكنولوجيا والتقدم الذي نعيشه إلا دليلاً على قدرات العقل البشري الخارقة وألا شيء يصعب أمام هذا الإنسان الذي استطاع أن يخضع الصخر والحديد ويجعلهما رهن إشارته وتصرفه، هذا الإنسان الذي اخترع التكنولوجيا واستطاع بواسطتها أن يكون على سطح القمر يمتع العالم ويبهره بهذا الإنجاز وينقل له صوراً حية ومباشرة عن الحياة والبيئة في ذلك الكوكب الذي يناجيه ويسامره الأدباء والشعراء وغيرهم من المغرمين والعاشقين، هذا الإنسان الذي أنجز هذه المعجزات، ألا يستطيع أن ينجز أسمى شيء في الحياة وأبسطها "فن التعامل"؟ ألا يستطيع أن يوجد الشعور بالآخرين واحترام قدراتهم وأفكارهم؟ إن البعض من الناس وعلى مستوى المجتمعات بشكل عام رغم ما يتميزون به من تقدم وتطور على المستوى الشخصي، إلا أن ذلك التطور والتقدم ما هو إلا مظهر وسرعان ما ينكشف الغطاء وتظهر الحقيقة من خلال سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين. إن التقدم الحقيقي والتطور هو المعاملة الصادقة مع النفس ومع الآخرين، ونبذ الكبر والغرور واحتقار الناس؛ لأن الناس لا يقيَّمون بمستواهم التعليمي أو الاجتماعي وإنما بالأخلاق التي تتحكم بمصير أمم، وكما قال الشاعر: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، يجب أن نسيطر على عواطفنا ومشاعرنا وسلوكياتنا، وأن نغرس في أنفسنا بذرة حب وخير، وأن نحاول أن نستوعب ونفهم شعور الآخرين كما نستوعب ونفهم شعورنا.