أعزائي المتحاورين في ستوكهولم، منذ قرابة أسبوع مضى نتابع تطورات مشاوراتكم، لقد كان أداؤكم جيداً، واستجابتكم للمضي في مسار السلام أكثر إيجابية من أي وقت مضى، هذا الأمر بعث الأمل المحتضر في نفوس الملايين من شعبكم. ملايين العيون والقلوب المنكسرة، تنظر لكم كقادة مسؤولين، وحريصين على إنهاء الظروف المأساوية التي يعيشها كل يمني بدون استثناء، وأبعد من ذلك، هؤلاء الملايين الذين تطحنهم الحرب كل يوم، يتوقون إلى سلام شامل. نعرف أنه ليس سهلاً أن تتوصلوا لسلام شامل من جولة واحدة، لكن ما رأيناه ولمسناه من مشاوراتكم هذه، منحنا أملاً بأنكم تستطيعون التأثير في قياداتكم العليا، وفي قادة المجتمع الدولي والإقليمي، لقد حان الوقت للوقوف أمام الأمر الواقع؛ لكي تنتهي الحرب، لا بد من تقديم تنازلات شجاعة وجديرة بإعادة بناء الثقة، إن مجرد اجتماعكم على طاولة حوار واحدة، وأحاديثكم الودية على طاولة الطعام وفي الممرات، هو الخطوة الأولى في مسار بناء الثقة، أما الصور التي تلتقطونها مع بعضكم خارج سياق المشاورات، فثقوا أن أولادكم، وجيلاً قادماً من اليمنيين، سوف يتعلمون منها معنى خصومة الكبار وحوار الشجعان. الاحترام المتبادل شرط أساسي لنجاح أي حوار، وفي السياسة، ناهيك عن مفاوضات السلام، احترام الآخر في الخطاب الإعلامي هو اللبنة الأولى في بناء الثقة، من المؤكد أنكم لا تحتاجون مواعظ من هذا القبيل، لكن كما يقال: «اللسان تذكّر القلب». أثناء عملي في الصحافة، طلب مني قارئ لطيف توضيحاً عن أكثر شروط النشر تداولاً: «ما هي الألفاظ النابية وغير اللائقة التي يجب الابتعاد عنها؟». كان يريد أن ينشر مقالاً هاجم فيه أحد الأطراف السياسية أثناء المرحلة الانتقالية بعد العام 2011م، فيما يلحّ للحصول على إجابة لسؤاله المحدد، قلت له: «لا أستطيع الإلمام بقاموس البذاءة، لكن أعتقد أن ذلك يعني أن تكتب ما لا تخجل أو تخاف من قوله وجهاً لوجه أمام من تكتب عنه»، غادر وهو يردد: «وجهاً لوجه». الوجوه تستحي من بعضها، وفي قصة حرب طروادة، يأتي ملكها متسللاً في الليل إلى خيمة أخيل، كان يريد من الفارس الأسطوري أن يسلّمه جثة ابنه «هيكتور»، الذي قتله بعد نزال طويل، وسحله وراء عربته إلى معسكر اليونانيين، قال أخيل: حتى لو سلمتك جثة ابنك، فإنك غداً ستكون عدوي، أجابه الملك المكلوم: أنت عدوي الآن، لكن ذلك لا يمنع تبادل الاحترام بين الأعداء. ملاحم الحروب مليئة بالعبر، سواء كانت من زمن الأساطير أو من عصر التدوين والصورة، ومن اللافت في كل جولة مشاورات يمنية، غياب الحديث عن أهمية التهدئة الإعلامية في سياق البحث عن حلول سياسية لإنهاء الحرب، في هذه الجولة، فرضت جدية الطرفين في التعامل مع إجراءات بناء الثقة، تهدئة إعلامية لا بأس بها، وكم كان إيجابياً جهد فريق الشباب الذي أدار «غرفة أخبار المشاورات». أعزائي المتحاورين في السويد: حسب الأخبار الواردة عنكم، سوف تنتهي جولة مشاوراتكم غداً الخميس، على الأرجح. إذا لم تخرجوا باتفاق قابل للتنفيذ بشأن الملفات المطروحة أمامكم، فسوف تضاف خيبة الأمل إلى قائمة الأمراض والأوبئة التي تفتك بنا، سيقتلنا الخوف من المجاعة أكثر من المجاعة نفسها، ستصيبكم دعوات أمهات الأسرى والمعتقلين وزوجاتهم وأطفالهم، ويا لها من نقيصة سوداء أن يستمر كل طرف في ممارسة الاعتقال التعسفي، في الوقت الذي تتبادلون فيه قوائم الأسرى والمعتقلين للإفراج عنهم. طيلة أسبوع مضى، تعلقت فيكم آمال ملايين الجياع والمرضى، وحتى مقاتليكم في الجبهات، لا أحد يريد استمرار الحرب، وقد تلقيتم آلاف الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لإخباركم بذلك، وفي حين أكتب لكم بدوري هذه الرسالة من قعر الجحيم، أريدكم أن تنظروا جيداً لارتباك أفكارها وتشعبها؛ هذا هو حال كل يمني تمنعه عزة النفس عن وصف المهانة التي آل إليها مصيره، لقد صرنا محط سخرية العالم وشفقته، رغم تعاطفه مع مأساتنا الإنسانية، أرضنا وعملتنا ولقمة عيشنا المهدورة، تثير لدى "اللاعبين" نزعة العبث والتلهّي. كل دول العالم تتعامل معنا كأشخاص غير جديرين بالثقة، لأننا لا نثق ببعضنا، نتوقف لساعات في مطاراتها ومنافذها، وقد ترفضنا، لأن مطاراتنا مغلقة أو لا تطبق معايير البروتوكولات الدولية، انظروا إلى أين أوصلنا صراعكم على النفوذ والثروة؛ مقدرات بلادنا تستغل في غير مصالحنا، بينما نستجدي غذاءنا وضمانات استقرارنا من الخارج! وإذ تجلسون للنقاش الأخير حول ملفات هذه الجولة، تذكروا جيداً أن خيط الأمل الخائب ما يلبث أن يتحول إلى حبل مشنقة، انظروا إلى وجوه بعضكم، وثقوا بأن «الشيطان الذي يكمن في التفاصيل»، ليس أقوى من أرواح الأبرياء التي تزهق كل يوم.
لطف الصراري
من قعر الجحيم إلى المتحاورين في السويد 748