"من يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلاً لمشكلاته ولكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى" دوستويفسكي تدور الفوضى اللاعفوية في تعز وكأن من يعبثون بالأمن قد علموا ممن يحركهم أن ثمة أمراً ما لن يجعلهم قادرين على استعراض عضلات أفواههم مستقبلاً. فتعز تبحث عن الاستقرار وهناك من يبحث عن الفوضى بأي ثمن، والفوضى في تعز تنقسم ما بين 3% بلطجة وفصاع و97% إشاعات وأحقاد وحكايا عاطفية تتكئ على الموروث الحزبي أحياناً.. وأحياناً على التربيط والتنسيق مع قوى خارجية تعد الهمج أنهم سيكون لهم دوراً مستقبلياً في حال ما افشلوا جهود المدينة المقاتلة من 1918 لاسترداد كرامة كل ما هو يمني. لمغالطة المدينة الحزينة أسموها بالحالمة وعاصمة الثقافة، لدرجة أن أنصاف المتعلمين يعتقدون أنهم صاروا مثقفين بحسب مسقط الرأس، وهم بذلك يجافون الحقائق التي تؤكد أن الثقافة ليست قراطيس ولا أوراقا بل سلوكاً يومياً يبدأ مع بزوغ الشمس وينتهي بإغماض الأعين بعد حلول الغسق في حراك يومي على الدوام. كان أبو هريرة قد روى أَن النَّبيَّ قَالَ: واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. لا أدري إن كان الناس مازالوا يصدقون أبا هريرة وما نقل عنه البخاري ومسلم وهل المشايخ والمفكرون وجماعة (حك لي شاحك لك) عادهم يصدقوا هذه الروايات ويؤمنوا بها أم لا، عن نفسي أخذ عن الطارف حكمته وكيف لا أخذ ما روي عن محمد عليه الصلاة والسلام، ومن الحديث السالف ندرك أن الثقافة السلوكية تقضي بتقويم سلوك الفرد حتى لا يكون مجرد بوق يزعج الجيران وأهل الدار على السواء، ومفهوم الجار اليوم تغير مع وسائل التواصل الاجتماعي، صار لدينا جيران في الواتس اب وجيران في الفيس وجيران في التويتر، وكلهم يستحقون الاحترام وعدم إزعاجهم وعدم تعكير سكينتهم، وخلق نوع من القلق المفتعل تلبية لدوافع مريضة متأصلة في سلوك ذاك نصف المثقف الانتهازي الذي يريد حل مشاكله العاطفية والنفسية على حساب المجتمع، ولو سمع حصى وقعت على سطح حسابه في تويتر لأتهم جاره من الحزب الآخر والجماعة المناوئة لعقله الباطن. إن التعززة في فكر الصديق عبدالله دوبله قد تكون ذات مفهوم آخر لا يطابق ما قصدته أنا هنا من محاولة بعض الناس إدعاء المعرفة الكونية بناء على الانتماء القروي للعاصمة الثقافية لليمن، ومحاولة الفتوى في كل شيء بدون معرفة. ولا يطلق عادة لقب مثقف إلا على من طابق قوله عمله وسلوكه ووصل إلى مرحلة متقدمة في تشخيص العلل المجتمعية بحثاً عن حلول ومخارج للناس من وضعهم البائس. لدينا في تعز مشكلة أمنية لا ينكرها أحد، وهي مشكلة يمنية أصيلة تمتد إلى ما بعد فشل ثورة 26 سبتمبر 1962 في إنتاج دولة اليمنيين، وليست مشكلة تعزية حصرية، لقد وظفت المشكلة الأمنية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لصالح أطراف سياسية أدارت البلد بإقلاق أمن الناس وافتعال الأزمات لتبقى السلطة في أيدي صناع المشكلة الأمنية. كم مثقف يمني وتعزي اليوم يفكرون بطريقة منطقية لحل المشكلة الأمنية؟ يسارع أنصاف المثقفين إلى الخلط بين الجيش والأمن رغبة منهم في إفراز الأحقاد القروية ضد وحدات الجيش الوطني الذي أنتجته تضحيات الشعب خلال سنوات الحرب الأربع. إن أول الحلول يبدأ بالفصل بين الملف الأمني والملف العسكري، وكلاهما يرفدان بعضهما، فجبهة الجيش لن تحقق انتصارات إذا شعرت بأن هناك من يغدر بأمن المجتمع وأمن الجبهة من الخلف، لذا لابد من تأمين الجبهة الخلفية بتعزيز الأمن.. إن المطالبة بتفعيل دور الأجهزة الأمنية في تعز هي مطالبة واقعية ولا تحتاج إلى "تعززة" وجدل عقيم، إعادة الأجهزة الأمنية السابقة واستدعاء الجنود الجدد "المسجلين منازل" هو السبيل لتعزيز الأمن، كما أن تفعيل دور الرقابة الشعبية لمحاصرة الجريمة ومحاصرة الإشاعة هي من ضمن مهام المجتمع الذي يريد تحقيق تقدم في المسألة الأمنية. قامت هذه الحرب وأهم عناصرها مفقود ولا تملكه الشرعية وهو العنصر الاستخباراتي، فجهازا المخابرات الأمن القومي والسياسي سلمهما "المرحوم" لشريكه الحوثي في لحظة حنق، في أحسن إحتمال، لقد بات من الضروري خلق جهاز أمني مكمل لعمل أجهزة الأمن ومعزز للعمليات العسكرية في الجبهات، ومناطق تواجد العدو، فالحرب يبدو أنها لن تستمر بهذه الوتيرة ولابد من عمليات استخباراتية في مناطق العدو لكسره بعيداً عن أعين المتربصين بالبلد. إن تعزيز الأمن في مرحلة الحرب ليس بالشيء السهل، لكنه ليس مستحيلاً مع وجود كل هذه المقاومة للانقلاب التي أبداها أهل تعز وغيرهم، كما أن الأجهزة المدنية عليها ممارسة عملها دون دعاية وسياسة وضجيج فهي مجرد أجهزة بيروقراطية خدمية لا أكثر، أما تحول المسؤولين المدنيين إلى مفسبكين وصيادي أخطاء ومفتعلي أزمات وباحثين عن لايكات وصور وفصاع فهذا يسهل عمل المفصعين ويزيد من انتشارهم. إن العمل الأمني تكاملي بين أجهزة الأمن والاستخبارات والإعلام وبين كل النخب المدنية والتي من المفترض أن تسهم في حفظ الأمن لا أن تتحول إلى مصدر ضجيج وإزعاج وتزيد من انتشار التعززة وتضخيم الصور البشعة في مدينة تحتاج إلى نصف كلمة حب وإلى بعضاً من أحرف الأمل المفقود. ستة ملايين إنسان في محافظة محشورين بين المرتفعات الجبلية وبين الميليشيات الإرهابية التي تحاصر المحافظة لا شك أنهم سيحدثون الكثير من الضجيج والإزعاج، خاصة بعد أن تم فصلهم عن امتدادهم الساحلي الطبيعي نحو باب المندب التابع لمحافظتهم وبين المخا الميناء التعزي الأشهر عالمياً، وتعز بدون سواحلها ليست سوى متاهة ومناحة، ولذا لا مناص من استكمال التحرير والتوجه نحو الساحل لتعود الحياة الطبيعية للناس، لا أفق بدون الساحل التعزي يا حضرات المختلفين على (لا شيء) يا تعززة بلا أفق .. أفيقوا يرحمكم الله
فيصل علي
التعززة 975