ما الذي يجري في اليمن؟ قد يبدو السؤال مثار استغراب واستخفاف بالنظر إلى أن اليمن عملياً في واقع حرب منذ الانقلاب الأرعن على الشرعية الدستورية، وعلى الفترة الانتقالية التي كانت مفتوحة على انتقال اليمن، من أزماته المتفاقمة إلى الاستقرار والازدهار، كما رسمتها مخرجات مؤتمر الحوار من جهة، ومن جهة ثانية ما يصاحب هذه الحرب من جولات مكوكية دبلوماسية وإعلامية، فيما يسمى «التسوية» لهذه الكارثة، التي تتداعى بسلبياتها الكبيرة على البلاد والعباد. بيد أن هذه الحالة هي ذاتها مثار السؤال وغير سؤال، فالحرب التي بدأت بموجات زحف الانقلابيين على المدن والقرى بالأرتال لعسكرية، لم تفتح أبواب أكثر من حرب وحسب، بل أيضاً أبواب الموت للبشر والدمار لكل شيء، الشجر والحجر. فقد تحول عدد من المدن إلى أطلال، وتحولت قرى إلى خبر كان، ونجم عن ذلك آلاف القتلى والجرحى وملايين المشردين الذين تفتك بهم الحاجة إلى أبسط سبل الحياة من غذاء ودواء وأمن وأمان. الإشكال في هذه الحرب أن هناك كما يبدو أطرافاً خارجية وأدوات في الميدان تريد لهذه الحرب الاستمرار، ما يوفر وضعاً هو أقرب إلى مشروع مركب، يهدف إلى تركيع اليمن وابتزاز دول الجوار. ومما هو دال على هذه الحقيقة، أن هناك في الداخل من يعمل على إضعاف الحسم للانقلاب ومترتباته، ويلتقي هذا الإضعاف المتعدد الأشكال مع التسويقات التي تتواصل لأطراف خارجية، تحت مظلة المخاطر الإنسانية، كما لو أن ما حدث لم يبلغ هذا الحد الذي صار عليه اليمنيون في عموم البلاد. وفي هذا الشأن ربما كان مفيداً الإشارة إلى الدور الأممي الذي يصح أن يقال، إن صوته كان عالياً منذ الانقلاب الذي أدين دولياً، ولكن الإدانة لم تترجم إلى أعمال، والأهم من هذا أن الدور الأممي بات التفافياً على الحسم العسكري، وعلى الحل السلمي في آن. هنا قد يكون مفيداً التوقف أمام ما يجري أممياً الآن؛ إذ من المعلوم أن المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حاول إخراج الأزمة المتفجرة من مأزقها بوضع عدة مبادرات، لكنه فشل لتراجعه عن التمسك بنتائج لقاءات الكويت، ما أدى إلى تحول الأمور إلى «بازار» لإطلاق المبادرات المجهضة للحل، وهي عديدة، أبرزها مبادرة الأمريكيين التي ساوت بين الضحية والجلاد. وحين بدأ الحديث عن المبعوث الأممي الحالي جريفيث، أثيرت ضجة حول كفاءته، وبدت الصورة الإعلامية، كما لو أنه قد تمكن من إنجاز مهمته قبل أن يعين، وما زاد من وطأة هذا الوهم أن جريفيث، أطلق وعوداً مبهرة عن إعداد مبادرة حل شاملة، وعن البدء من حيث توقفت محاولات سلفه، وقام بجولات مكوكية إلى المنطقة في فترة قياسية، فماذا كانت النتيجة؟ بحسب ما تداولته وسائط إعلامية؛ فإن المبعوث الأممي بعد إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، عاد إلى المنطقة وهو يحمل مبادرتين، الأولى تختص بمعركة الحديدة، والثانية بالحل الشامل للأزمة، حيث إن الحديدة من خلال الجهود التي قام بها المبعوث الدولي، لا يمكن أن تمثل بوابة للذهاب نحو الحل النهائي. اللافت في هذا الشأن، أن جريفيث كان أحاط مجلس الأمن، أن صنعاء أكدت موافقتها على «إخضاع ميناء الحديدة لإدارة مشتركة مع الأمم المتحدة، وأنها واضحة في هذا الاتجاه»، وهذا ما أكده عبدالملك الحوثي حين قال: «قبلنا بأن يكون للأمم المتحدة دور فني لوجستي ومساعد في ميناء الحديدة». السؤال الآن: إذا كانت هذه المبادرة في شأن الحديدة لا ترتبط بحل الأزمة وإنهاء الحرب، فعلى أي أساس سيكون دور الأمم المتحدة؟ ثم أين هي الجهة الأساسية ممثلة بالرئاسة والحكومة اليمنية ذات الشرعية الدستورية والدولية؟، ثم في أي ميزان على ضوء هكذا اتفاق يصير دور الأمم المتحدة؟ والأهم: هل هذا التفاهم ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة في شأن الانقلاب؟ وهل هذا الاتجاه للمبعوث الدولي يرمي إلى تفكيك الحرب بجبهاتها المختلفة، أم إلى تفتيت الحل الذي يبدأ بإيقاف الحرب وإنهاء الانقلاب، وهي المهمة التي تقع على الأمم المتحدة، كما هو معروف بمسؤولياتها، لا كما هو مثير للشك والاستغراب، مما جرى ويجري من أعمال لا ترمي إلا أن تكون الحرب في اليمن في استمرار.
هاشم عبدالعزيز
اليمن.. تفكيك الحرب أم تفتيت الحل؟ 683