يبدو أن قضية المعتقلين مثلما هي قضية الجرحى تعد أهون القضايا أمام اهتمام الرأي العام لاعتبارها فردية تخص أشخاصا يتحولون بمرور المأساة إلى مجرد أرقام في سجلات قد تكون ربحية للبعض موجعة للبعض الآخر.
لكنها تبقى أوجع القضايا وأشدها نكاية بهذا الشعب ففيها يُختزل كل طاغوت الانقلاب ودمويته ومصادرته لرأي الآخر ووجوده وحريته.
المعتقلون يموتون تباعا تحت قسوة التعذيب ويحتمل الأهل وطأة القهر مرتين؛ مرة حين يعتقل أبنهم بدون جرم يذكر ومرة حين تصلهم جثته كيس جلد محشوة بالعظم المحطم.
أن يقتل المعتقل تعذيباً وتزهق روحه تحت قهر الألم والإذلال ما هو إلا الموت آلاف المرات في كل جرعة تعذيب وتنكيل وما الموت حينها إلا رحمة.
يقتلونهم أبشع قتلة انتقاما من يمنيتهم فقط؛ فلو كان معتقلا غير يمني لوجد صنوف الراحة والتدليل حتى يسلم إلى بلده.
ليس لهم سوى نواح الأمهات يشاركنهم آهات الوجع خلف القضبان ويتحملن ثقل الانتظار والرجاء ووطأة تخيل ما يلاقيه أبنائهم من صنوف العذاب.
يعددن الصباحات والمساءات والساعات كالجبال على قلوبهن وأنى لأمرئ أن يدرك قلب الأم وما يقاسي.
فالكل تقاعس عن نصرتهم والمناداة بالإفراج عنهم أولاً: لأن جماعة الحوثي جماعة همجية لا تقيم للأعراف الدولية أو حقوق الإنسان بالاً ككل جماعة اجرامية تفرض سلطتها غصبا بانقلاب.
ثانيا: لتوالي النكبات على هذا الشعب الذي أذهله هذا الوضع المتردي وتفاقمت جراحاته وتكاثرت قضاياه المفتوحة بلا حلول أو استئصال.
حتى صار الوطن معتقل كبير يتجرع فيه الشعب صنوف العذاب والقهر وما أكثر النافقين موتا تحت هذا الوضع المأساوي.
وتبقى قضية المغيبون غائبة عن الهمّ الأكبر والأكثر ومحصورة بين أهاليهم فقط .
هم وجع إلى يضاف إلى أوجاعنا ويجب أن لا نفتر عن مطالباتنا ومحاولاتنا إنقاذهم وألا نرميهم للنسيان والجلاد خلف القضبان.
فالمعتقل ليس مشروع شهيد بل هو روحٌ لإنسان حرّ حق له أن يعيش.
إن الموت تحت التعذيب في المعتقلات سيظل الجرم الذي ينبغي التوثيق له حتى يأتي الحساب بأي الطرق كان.