لا يمكننا تجاهل أن ما وصل إليه حال بلادنا اليوم هو بسبب أخطائنا جميعاً وانعكاساً طبيعياً لها، لا يحق لأي طرف أن يحمل طرفاً آخر غيره مسؤولية ما حدث وأن يبرأ نفسه، الكل بلا استثناء أخطأوا في حق الوطن على اختلافهم في نسب الأخطاء وحجمها.
أخطأ الذين أوصلوا المجرم صالح إلى السلطة وساندوه على فساده خلال فترة حكمه واستمروا في تأييده في سياساته وتقاسموا معه ثمن ذلك التأييد والسكوت حتى أوصلوا معه البلاد إلى الحضيض.
أخطأ الذين سكتوا عن صالح وعصابته وهم يبنون دولة مناطقية عصبوية قبلية هشة وجيش قبلي وعائلي متخلف فاسد ومؤسسات شكلية ضعيفة لا دور لها الا تعزيز نفوذهم ونفوذ فلان أو علان.
أخطأ الذين اعتدوا على الجنوب ومارسوا الغدر السياسي وتفننوا في النهب والسلب مخلفين وراءهم حراكاً شعبياً رافضاً للوحدة ومطالباً بالانفصال كردة فعل طبيعية لتلك الأخطاء الكارثية.
أخطأ الذين ساهموا في زرع بذور الطائفية في المجتمع عبر خطاب ديني متشدد محرض، ثم انسحبوا من ملعب المواجهة مع أول معركة وانقلبوا في صف من ظلوا لعقود يحذرون الناس من عقائدهم وأفكارهم تاركين الشعب يتحمل أعباء أخطائهم القاتلة.
لقد أخطأ دعاة المدنية والتحضر والتقدم والعلمانية واللبرالية والاشتراكية حين ساندوا ميليشيات طائفية، وبرروا سلوكها العنفي الإجرامي، وحملها للسلاح، ولم يتورعوا عن إخفاء اعجابهم بها وهي تلتهم الوطن نكاية بخصومهم السياسيين.
لقد أخطأ الإعلاميون الذين اعتبروا الإعلام مهنة للتكسب وأن قضايا الوطن ليست أكثر من سلع للمتاجرة فكان كثير منهم ولا زالوا أبواقا للمجرمين والفاسدين والقتلة وهم يعرفون أنهم مخطئون ويدركون عواقب التزييف والتضليل الذي يمارسونه على شعب تنتشر فيه الأمية والجهل بشكل كبير.
لقد أخطأ حتى من التزموا الحياد ظنا منهم أنهم بذلك لم يساهموا في المشكلة، والحقيقة هي أنه لا حياد في قضية وطن وأن هذا الحياد السلبي يعتبر خطأ فادح سمح للفاسدين الاستمرار في فسادهم وغيهم وبغيهم.
لا بد من اعتراف الجميع بأخطائهم واقرارهم بها، فهي الخطوة الأولى للخروج من المأزق، وإذا لم يعترف ويقر الجميع أنهم أخطأوا، بقصد أو بدون قصد، وأن محصلة تلك الأخطاء أوصلت البلاد إلى هذا الحال التعيس، إذا لم يحدث ذلك فلن نخرج مما نحن عليه قريبا وستطول الحرب وتستمر المحنة أكثر.