لكل إمبراطورية نهاية تبدأ في التوهم أنها وصلت إلى حد القوة المطلقة للتحكم بالعالم، هكذا سقطت الامبراطورية الرومانية، حين تصور سياسيوها أن لبلادهم الحق في الاستحواذ على كل شيء في العالم من أجل رفاهية شعبهم، فسنوا سلسلة من القوانين جعلت العالم القديم يثور عليهم وتتكاتف دوله على تقويض روما التي لم تتعلم من سابقتها اليونانية، وفي التاريخ الحديث انهارت الامبراطورية العثمانية بسبب مجموعة قوانين لم تراع العلاقات الدولية وسيادة الأمم والشعوب.
الأمر نفسه يتكرر اليوم مع الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أن سياسييها وصناع قرارها لم يقرأوا التاريخ جيدا، لا سيما تاريخ بلادهم العسكري، وبسبب هذا الجهل اخذتهم الحماسة، فبدأوا في العقدين الماضيين بكتابة آخر فصول امبراطورية “العم سام” عبر سلسلة قوانين مناقضة للأعراف والمعاهدات والقوانين الدولية، كان آخرها “قانون العدالة ضد رعاة الارهاب” الذي ينطوي على مبدأ عدواني على سيادة الدول، وينسف ميثاق الامم المتحدة، كما يفسح في المجال للأمم الاخرى إذا اتبعت سياسة المعاملة بالمثل أن تجر الولايات المتحدة من أذنيها الكبيرتين الى المحكمة الجنائية الدولية ومقاضاة قادتها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى باراك اوباما على سلسلة جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قواتها المسلحة بدءا من هيروشيما وليس انتهاء بالعراق وأفغانستان.
قانون جنون العظمة هذا يقوم على فهم تسلطي، فهو إذا كان في الشكل ضد المملكة العربية السعودية ودول “مجلس التعاون” الخليجي خصوصا، والدول الإسلامية عموما، فإنه بالجوهر بوابة جديدة لمزيد من الهيمنة على العالم، ما يعني في المقابل أن من حق الدول الرد عليه بقوانين مماثلة لحماية مواطنيها من التعسف الأميركي، بل ستعامل المواطنين الاميركيين الذين يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية وشركات المرتزقة بالمثل وستحاسب الولايات المتحدة على ذلك.
قصر النظر السياسي هذا، كشف طبيعة الذهنية الانتخابية في الدولة العظمى التي اتضح أنها لا تختلف عن تلك السائدة في العالم الثالث حيث الرشوة السياسية تحدد هوية أعضاء مجالس النواب، والمتابع لمجريات الحملات الانتخابية الاميركية يلاحظ الامر نفسه إذ إن اللعب على المشاعر الشعبية وتلبية لشهوة التطرف التي أثارها الإعلام الاميركي المسير وفقا لمصالح اللاعبين المحليين كان السبب الاول في اقرار القانون لحصد مزيد من التأييد لمرشحي مجلسي الكونغرس في الانتخابات المنتظرة بعد نحو شهر ونصف الشهر من الآن.
“العدالة ضد رعاة الإرهاب” عنوان ينطبق على من أقروا القانون، فالاستخبارات الاميركية ومنذ مطلع القرن العشرين أسست جماعات إرهابية وتخريبية في معظم دول العالم، بدءا من كوبا مرورا برعاية عصابات القتل وتهريب المخدرات في اميركا الجنوبية وافريقيا والشرق الاوسط، وصولاً الى تنظيم القاعدة و”طالبان” و”المجاهدين في الشيشان” وأخيراً الى “داعش” الذي ترعرع في الحاضنة الاميركية بالعراق، وبالتالي فإن القانون الجديد يجب أن يطبق على الولايات المتحدة ذاتها قبل اي دولة اخرى، وعلى فرنسا التي ارتكبت من المجازر ما يشيب لهوله الولدان في الجزائر وغيرها من المستعمرات، وبريطانيا العظمى وروسيا وبقية الدول الاستعمارية، واذا كانت هذه الدول قد هللت للقانون الجديد فعليها أن تقف امام مرآة الحقيقة لترى وجهها الملطخ بدماء الشعوب.وعلى السياسيين الاميركيين أن يقرأوا أولاً المثل الكويتي القائل: “لا تفرحين بالعرس ترى الطلاق باجر” لعلهم يرتدعون.
أحمد الجار الله
حفلة جنون أميركية 1060