أكثر من ثلاثين رحلة مكوكية قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن السيد جمال بن عمر، أربع سنوات وهذا الرجل بين ذهاب وإياب من وإلى اليمن.
أثنينا على الرجل ودوره في البداية، فقد خطا خطوات مهمة في طريق إتمام عملية الانتقال السلمي للسلطة، ومضىٰ بإيجابية في تسيير الفترة الانتقالية، وظل هو يفاخر بما صنع، ويدعو في اعتماد التجربة اليمنية نموذجا لحل بقية الملفات.
كل ذلك النجاح الذي حققه بن عمر حدث يوم أن تعامل مع القوى السياسية تحت مظلة المبادرة الخليجية، وأعرض جانباً عن قوىٰ العنف ومليشيا الإرهاب, لكنه أخطأ خطأ لا يغتفر يوم أن دخل على الخط مع المتمردين لأنهم لا يعترفون بالمبادرة الخليجية ولا حتىٰ بشرعية الرئيس هادي، ضمهم إلى الحوار فتفاءلنا خيراً وقبلنا لعل الرجل واصل نجاحه وأقنع ملالي مران في التخلي عن العنف، والانضواء تحت لواء السلم والوفاق.
لكن ما حدث هو العكس, حيث استغلت تلك الجماعة الحوار في بسط نفوذها عبر قوة السلاح.. ففي حين كان سياسيوهم يحاورون في الفنادق كان محاربوهم يناورون في الخنادق بلغة البنادق.
كان على بن عمر في تلك اللحظة أن يثبت صدقه، ويتعامل بمسؤولية في تخيير المتمردين بين طريقتين:- إما سلوك طريق الحوار أو خوض غمار الحرب والعنف وعلى ضوء اختيارهم يتعامل معهم.. لكنه لم يحرك ساكنا أمام انتشارهم المدوي بقوة بسلاح، أرهبوا الناس وأسقطوا المدن واحدة تلو الأخرى أمام ناظريه، حتى أنهم- وفي قمة الاستخفاف به وبدوره- احتلوا العاصمة وأسقطوها، بينما بن عمر في ضيافة سيدهم في صعدة، حتىٰ أتموا الدور ظهر علينا بن عمر وهو يرعى توقيع اتفاق ما سمي بالسلم والشراكة.
استبشرنا خيراً وقلنا لعل هذا الاتفاق يحفظ ما بقى من بقايا دولة، لكنهم تمادوا في غيهم، لم يحفظوا عهداً، ولم يحترموا اتفاقا وواصلوا زحفهم نحو بقية المحافظات .
وأمام استعانة بن عمر وضعفه وربما- تواطؤه- حاصروا رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه وبقية الوزراء، توقعنا موقفاً قوياً من الرجل، فإذا هو يصمت صمت القبور .. اليوم يتباكىٰ بن عمر ويصرح أن اليمن أصبح في مهب الريح ولا يدري بأنه هو من أثار هذه الريح وأجج عاصفتها.
مالم يجرؤ على قوله أنه لم يضع يده على الجرح، لم يصرح من المتسبب فيما آلت إليه البلاد، لم يحمل طفأ المسؤولية مع أن الجميع يدرك من هو ذلك الطرف.
علّق فشله بأن رمىٰ بالكرة في ملعب الجميع حين قال:
كل القوى ارتكبت أخطاء.. يا جماعة.. يا عالم.. يا هوه، بن عمر صار جزءا من المشكلة ولم يعد جزءا من الحل فأوقفوا عبث هذا الرجل.
ياسيد جمال :-
ارحل غير مأسوف عليك، امتلك من الشجاعة ما امتلكه الأخضر الإبراهيمي ومن قبله كوفي عنان في الملف السوري حين عجزا عن فعل شيء فقدما استقالتيهما.
ستظل أفئدة اليمنيين تذكر أن رجلاً من المغرب العربي مزق بلادهم، وأنهىٰ دولتهم، ووأد إرادتهم، وأوصل وطنهم إلى حافة الهاوية هذا الرجل يُدعىٰ.. جماااااال بن عمر.
-----------------
* إمام وخطيب جامع التيسير بمدينة ذمار
الشيخ سعد الحسيني
جمال بن عمر..ارحل 990