لم يرتفع العلم اليمني في مسيرات الحركة الحوثية وتجمعاتها منذ نشأتها حتى شهور قريبة واكتفت بشعارها في أغلب الأوقات فقط وغاب علم الجمهورية ثلاثي الألوان، لأن تسمية الحركة لو عدنا إلى الجذور لوجدناه منسوخاً من اسم حركة "أنصار الله" التي شكلها الإمام الخميني بعد الثورة الاسلامية في إيران بغرض ضرب وتصفية شركائه في الثورة: حزب "تودة" اليساري ومجاهدي حركة "خلق" اللذين دعما الخميني في ثورته ضد الشاه محمد رضا بهلوي حينها. استمرت الحركة الحوثية في التوسع بقوة السلاح مطلقة على نفسها "المسيرة القرآنية" بإيحاء إسلاموي جديد وبيافطة براقة, وفي مسيرة الحركة الحوثية برز الشعار الرسمي متطابقاً مع المشروع الإيراني في مواجهة ما يسمى "الإمبريالية" و"قوى الاستكبار العالمي" حد وصف أحفاد أنو شروان في إعلامهم الرسمي، لذلك كان الموت لأمريكا وإسرائيل "مانفيستو" تمويهي لمشروع لا علاقة له بمواجهة هذه القوى ولا علاقة له بمشاكل مواطني صعدة و بقية محافظات اليمن.
الحديث عن الهوية الوطنية اليمنية، كان محور الجدل حول الحركة الحوثية, لكن تكوينها بقيادة شاب ثلاثيني غير منتخب ولم يتم تزكيته من قبل هيئة منتخبة يُشبهُ وضع حزب الله في لبنان ويُشبه الدولة الأم بقيادة "السيد" علي خامنئي, وحتى في هيكل الجماعة المجلس السياسي للحركة هو الهيئة الظاهرية تطابقاً مع نموذج حزب الله في لبنان. الشعارات المستمرة والاحتفالات التي تم استنساخها في الآونة الأخيرة أيضاً تنبئ عن صيغة جديدة خارج المذهب "الهادوي" الزيدي، الذي يشكل جزءاً من التأريخ والهوية اليمنية، فلم تشهد اليمن احتفالات سنوية ضخمة بعيد "الغدير" أو الولاية في ذي الحجة، ولم يحتفل الناس بعاشوراء في ساحات كبيرة يلبسون الأسود، ولم يستنسخوا شعارات "حسينية" أو "زينبية " ذات طابع سياسي إبان حكم أئمة بيت الهادي لليمن لعشرة قرون من الزمان، لأن المذهب "الهادوي" يختلف جوهرياً عن الاثني عشرية والجعفرية في العقائد والأصول ونظام الحسبة فيه لا يحصر الولاية في البطنين، بل يقبلها من خارجها حال توافرت شروط العدالة في الإمام.
حتى ربطات العنق لا يرتديها مذيعو قناة المسيرة الناطقة باسم الحركة تقليداً لقناتي "المنار" و"العالم" الممولة والتابعة لإيران وحزب الله، وليست المسألة في ربطات العنق، لكنها في الاستنساخ الأعمى لحركة ما فتئت تباهي بثوريتها ونضالها ضد ما تسميه الطغيان.. ليس ببعيد تصريحات القادة الإيرانيين, آخرها قبل أيام تصريحات نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي قال ان جماعة أنصار الله هي مثل حزب الله اللبناني تنطلقان من مبادئ الثورة الإسلامية، وقبلها مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي ولايتي، حيث قال إن نفوذ إيران قد غدا ممتداً من اليمن إلى لبنان، وقبله قال محمد صادق الحسيني: إن عبدالملك الحوثي سيصبح سيد الجزيرة وهو جزء من الثورة الإسلامية المتنامي نفوذها في سوريا والعراق ولبنان ومؤخراً اليمن.
لا يحتاج الأمر إلى حذاقة أو عمق في التحليل أو حتى تنقيب في ميتافيزيقا الحركة الحوثية؛ فقد كان العمل الأول لها بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء اقتحام جهاز الأمن القومي من أجل الإفراج عن سجناء إيرانيين متهمين بالتخابر لصالح دولتهم، وآخرين تابعين للسفينة الإيرانية "جيهان 3" التي كانت محملة بالأسلحة للحوثيين، ومن أولوياتها كان قتل وتهجير الضباط العراقيين المحسوبين على حزب البعث العراقي، الذي كان يحكم العراق قبل الاحتلال الامريكي لها في أبريل 2003... وأخيراً ما ذكره الدكتور عبدالكريم الإرياني في مقابلته الأخيرة مع أسبوعية "26 سبتمبر" حول المفاوضات مع الحركة الحوثية وعدم قبولهم توقيع أي اتفاق إلا بعد عرض النص المزمع توقيعه وإرساله إلى طهران.
الحركات التي لا تنتمي إلى اليمن التأريخ لا المذهب ستنتهي؛ لأن اليمن حضارة وتأريخ أبناء معبد الشمس وشمر يهرعش وسيف بن ذو يزن قبل المذهب الشافعي والهادوي، وأي خروج عن هذه الهوية ماهو إلا مقايضة آنية رخيصة بحضارة وشعب عريق مكتوبة هويته بالخط المسند وبقلم علامة اليمن نشوان بن سعيد الحميري وعبدالله البردوني.
سنحان سنان
الحركة الحوثية والهوية الوطنية 1066