العرب وإيران دول مشاركة في المنطقة وبينهما جوار، ومرت العلاقات العربية/ الإيرانية بمراحل مختلفة. وكانت إيران الشاه تقدم نفسها شرطيَّ إيران بالمنطقة وكانت علاقتها مع عدد كبير من الدول سيئة للغاية، وكانت مشكلة البحرين أزمة كبيرة قبلت فيها إيران بعروبة البحرين التي هي معروفة تاريخياً بلا جدال بأنها عربية من التاريخ، وتبادلت معها السفراء. واليوم تعود إلى نقض عهودها وتتآمر على هذا البلد وتجاوزت حكومة الملالي بإيران ما قام به الشاه في الجزر الثلاث ورفضت أي مفاوضات من باب التسلُّط والقوة.
ثم إن إيران استفزت العراق وجرَّته إلى حرب استنزاف المنطقة وهدَّدت استقرار المنطقة وبعدها دخلت العراق بالتعاون مع الولايات المتحدة وقرَّرت تغيير ديموغرافية العراق والتطهير العرقي والإرهاب وسفك الدماء من خلال المليشيات وصناعة جماعات متطرفة بقتل العشائر السنة وحرمانها من أبسط حقوق الإنسان وكذلك سوريا وتدميرها بصراعات طائفية ومحاولة إثارة الصراعات وكيل الاتهامات وانتهاك الأعراض, وما يجري في اليمن من تدخُّل بشع وقمعٍ وإدارة الحرب هناك وتفكيك الدولة، إضافة إلى التخطيط لاحتلال البحر الأحمر والسعي إلى حرب إقليمية.
أدركت الدول العربية ذلك ولم تستجب لاستفزازات إيران التي تتقوى بالولايات المتحدة ومجلس الأمن من خلال اللوبي الإيراني ومن خلال قوى الضغط من الشركات التي يسيل لعابها لصفقات إيران التي انخدع العرب بخلافها مع الغرب وشارك الإعلام العربي وقنواته والمحليون في خداع الأمة العربية بهذا الخلاف, ودخلت إيران حرباً فكرية للقضاء على منهج السنة ممَّا يسبب شقَّ الصف الإسلامي وجر العالم الإسلامي إلى حروب طائفية, فهي تُنفق المليارات لبعثات وبرامج للتشيُّع وإثارة الخلافات والصراعات التاريخية وجر الأمة إلى حروب الماضي. وفي أفريقيا مارست إيران حرباً ثقافية ودينية غير مبرَّرة وكذلك وسط الأقليات وذلك طمعاً في أحلام الملالي بإنشاء الإمبراطورية أكثر ممَّا كان يحلم به الشاه.
ومع ذلك أراد العرب مدَّ يد التعاون وحسن الجوار ولكن ذلك قوبل باللامبالاة والاستهتار والاستكبار وظلت إيران تلعب بورقة المعتدلين والمتطرفين مثلما تعمل إسرائيل في حزبي الليكود والعمل مع أنهم كلهم يقفون على مسافة واحدة ويمارسون سياسة واحدة, وترفض إيران كل يد تمتد إليها رغم الزيارات، ورفض الرد على التصريحات التي تمثِّل استفزازاً وتدخلاً وتحريضاً ثم يأتي الرد الإيراني بأن تلك تصريحات فردية أو غير ذلك في حين أن هؤلاء من أهل القرار ويسرِّبون مواقف وسياسة نحو المنطقة تدعو للتصعيد. فقد تحولت المنطقة إلى منطقة صراع دموي وخلافات طائفية ومذهبية كان الناس يعيشون فيها في وئام واتفاق. ثم إن إسقاط الجيوش وتدمير العتاد العسكري للدول العربية وإعادة رسم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي وإقصاء الأطراف السنية وشن الحرب عليها من خلال الجماعات المتطرفة وإيوائها وتشجيع وخلق جماعات الإرهاب والتطرف، الأمر الذي يدفع نحو نشوء جماعات وجهات تقوم بالدفاع عن النفس ممَّا يؤدي على حروب أهلية وكراهية وأحقاد،والصراع لا يفيد أحداً, فمهما كانت الخلافات فإنها تبقى محصورة في الخصوصية للأشخاص والفئات.
ولذا فإن جرَّ المنطقة إلى حروب لن تستفيد منها إيران بل إنها ستكون أول الخاسرين لأن إيران تركيبتها من عدة أعراق ومذاهب ولأن الحروب تكاليفها باهظة والمستفيد منها شركات الأسلحة والدول الكبرى ذات المصالح؛ لذا فإن خيار السلم وحسن الجوار مع احترام خصوصيات الدول والشعوب هي الأفضل لإيران مع جيرانها. لا شك أن إيران قد تكون حققت انتصارات ظاهرة وشكلية مؤقتة بحكم القوة والمال الذي تحصل عليه من نفط العراق والخُمس وغيره, ولكن تداعيات حربها مع العراق لا زالت لها آثار وهي بلا شك تضر بوضعها في الداخل وتجعلها دولة أقل نمواً، ولو استفادت إيران من تجربة الهند وكوريا والصين وقامت بالشراكة مع الدول العربية والجوار في المجالات الاقتصادية وحماية المنطقة واستقرارها فإن ذلك سيساعدها على أن تكون دول مهمة في المنطقة وليس عن طريق السلاح والقتل وجماعات العنف التي لم تكن لها النتائج المرجوة, وترى إيران كيف أن ردود الأفعال كانت قوية حيث أن الشارع العربي بعد أحداث سوريا واليمن والعراق قد خلقت موجة من الكراهية ضد إيران بل وضد الأقليات التي كانت تعيش بسلام وأخوَّة في المجتمعات العربية والتي أصبح عددٌ كبير من عقلائها يرفضون هذه السياسة التي تضر بمصالحهم وتؤدي إلى سوء الثقة؛ لأن الكثير منهم يعلم أن إيران ستعاملهم بعنصرية حتى ولو كانوا من المذهب نفسه ، كما أن هذه الدول لن تمكِّن إيران من الوصول إلى أهدافها؛ ولذا فإن الجميع خاسر، و الاستنزاف في سوريا والعراق واليمن الكل فيه خاسر إضافة إلى وجود كراهية ورفض لسياسة إيران في المنطقة.
ولو راجع الإيرانيون مواقف الناس والرأي العام لوجد أن إيران أصبحت بالنسبة للكثير منهم عدواً يُقارَن بإسرائيل وأن هناك من يعتبرها أكثر عداءً وهذا لا يخدم مصالح الجميع في المنطقة.
وإذا كان هناك من يدفع بإيران للصراع والحروب فإنهم سيتخلون عنها بعد تحقيق مصالحهم, والأمر المهم الذي سيساعد إيران على ذلك هو أن تقتنع بأن عهد الإمبراطوريات قد ولَّى ولا رجعة له ولا عودة بعد الثورة التكنولوجية والتي ستغير أفكار وآراء الناس والمعلومة اليوم تصل إلى الناس في ثوانٍ وليس كالماضي، كما أن صراعات الماضي التي تستغل لفقر الناس هي كما قال المبشرون الغربيون في إندونيسيا (مسيحيون لأجل الرز) وليس بقناعة والمال عند انتهائه تنتهي فعاليته وتأثيره، وعليها أن تقرأ التاريخ جيداً لتدرك أن العودة إلى الماضي لم يعد له أثر وأن ثقافة الكراهية والأحلام التي يضعها المتعصبون من الملالي لن تفيد إيران ونتائجها حاضرة؛ لذا فالأفضل لإيران أن تستجيب للنداءات والمبادرات وتجلس بصراحة وشجاعة حول نقاط الخلاف وتتوقف عن حروب الاستنزاف التي ستصب لصالح غيرها وستحرق نيرانها الجميع وهي أول من يتضرر وأن الانتصارات الحالية هي وهمية ومؤقتة.
أحمد عبده ناشر
ماذا تريد إيران من العرب 1314