مجلس الأمن لا يهتم إذا ما اقتحم الحوثي صنعاء وأسقط الدولة، ليس خائفًا إذا ما نجح الحوثي في الاستيلاء عنوة على العاصمة وانتهى الأمر عند تلك السيطرة المحكمة، ما يخيف مجلس الأمن هو ظهور ملامح تبشر بأن الحوثي سيفشل - مؤكَدًا - في إحكام سيطرته على العاصمة، وذلك يعني انفجار الوضع الذي سيؤدي إلى صراع مسلح لن ينتصر فيه أحد إذا لم ينكسر فيه الحوثي الذي مُنح الضوء الأخضر كثيرا في أوقات سابقة وأحداث قريبة، ولو كان مجلس الأمن يرفض المنهج المسلح الذي يعتمده الحوثي لإسقاط المدن؛ خوفًا من تداعياته المستقبلية المرتكزة على مبدأ العداء العقدي الذي خُلقت من صميمه الحركة الحوثية - كما يحاولون الإظهار - والذي يعلنه الحوثي في كل مناسباته لأمريكا وإسرائيل؛ لما تهاونت أمريكا لحظة عن التدخل وضرب الحوثي في معاقله، ولكانت قد تدخلت ومعها مجلس الأمن عندما كان الحوثي لا يزال يحاصر عمران، بل لتحركوا لاجتثاثه والحوثي لا يزال يبني قوته مع ظهور الصرخة الحسينية ضد أمريكا وإسرائيل واليهود في 2004
الأمر ليس مسألة عداء لأن القضية محسومة في هذا الشأن ، فلا يوجد عداء ديني أو حتى سياسي بين الحوثي من جهة وبين إسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، لا يوجد شيء من هذا القبيل، وأي نغمة؟! يمكن أن تستخدمها الحركة الحوثية للترويج لنفسها أمام أمريكا والغرب أفضل من تفجير المساجد ودور العلم الشرعي، وقد نجحت فعلاً بجعلهم يتيقنون أنها حركة لا علاقة لها بالإسلام ولا بنصرته لا من قريب ولا من بعيد، حتى وإن أعلنت معاداة أمريكا وإسرائيل، وهذا ما يتوجب عليها ظاهرًا لتمرير مشروعها وكسب تعاطف الشعب اليمني المسلم الذي يُخلق بفطرته يكره أمريكا، أيضًا الأمر هنا لا يتعلق بالخوف والارتعاد من قوة الجيش اليمني الذي سيردع الحوثي ويطارده إلى كهوف مران إذا ما حاول اقتحام العاصمة؛ لأنه فضل الحياد في مواقف سابقة كان يجب أن لا يقف فيها وأظنه سيفعل ذلك في مناسبات قادمة قريبة، يمكن الاختصار بالقول: إنه الخوف من السيناريو المجهول الذي ستؤول إليه الأمور عندما يفشل الحوثي في السيطرة على صنعاء، وهذا الأمر أظن أدى إلى الاستيقاظ الجزئي لمجلس الأمن الذي يعي ماذا يعني أن تدخل اليمن في صراع مسلح بنكهة طائفية ستكون فيه نسبة دواعش السنة - بفعل التطرف والمجون الحوثي - أضعاف أضعاف دواحش الحوثي!!، هم يعرفون جيدًا ماذا يعني أن يجر الحوثي البلد إلى حرب طائفية يتحول فيها لطفاء ومدنيو السنة إلى كتائب تعلن انضمامها إلى تنظيم الدولة الإسلامية - اضطرارا - كما حدث في العراق بعد الثورة الشعبية على المالكي بفعل المخزون المتراكم لعنف الحوثي صاحب المشروع الطائفي الإيراني، ويدركون أيضًا ماذا يعني أن تخرج الأمور - تمامًا - عن سيطرة الدولة اليمنية مما قد يؤدي إلى فرض حصار مرعب على المملكة السعودية من الجنوب نتيجة غياب القيادة الواحدة والانضواء الموحد للمجاميع الشعبية المسلحة التي لن يُرى سواها إذا ما انفجر الوضع، وأظن السعودية لم تعد بحاجة إلى من يحاصرها من الجنوب في ظل أن تنظيم الدولة الإسلامية فرض عليها إنزال ثلاثين ألف حندي سعودي على الحدود الشمالية مع العراق لحماية حدودها منه، والجميع هنا في اليمن ليسوا راضيين عن السعودية ولأهداف مختلفة، إنهم يتمنون اللحظة التي يتم تمكينهم فيها من خوض معركة ثأر مع النظام السعودي الذي يضطهد اليمنيين ويذيقهم أسوأ وأمر التعامل البشري، لهذه الأسباب وأسباب أخرى إلى جانب عدم استطاعة مجلس الأمن أن يغالط الواقع أكثر من ذلك؛ تم رفع مستوى التنديد والشجب من قبل مجلس الأمن وذكر عبدالملك الحوثي وعبدالله يحيى (أبو علي الحاكم) بالاسم في بيانه الأخير، إلى جانب إدانة المجلس باللكنة الضمنية لكل من يتعاون مع جماعة الحوثي ويسهل مهماتها في إسقاط المدن والمؤسسات في إشارة غير بعيدة إلى الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح الذي نجح في استخدام الحوثي كقفازات تقيه الاتساخ السياسي والأخلاقي أمام الشعب والعالم، تبعده قليلاً عن الأضواء الصاخبة وفي ذات الوقت تقربه كثيرًا من تحقيق أطماعه والانتقام من البغاة الذين أسقطوه..
إنه ينتقم من الشعب واحدًا واحدًا ويذيقهم ثمن الخروج على دافع النقمة، وهذه هي الحقيقة التي يؤمن بها الكثير، لقد أصبح الزعيم وحده دافع النقمة، لأنه هو وليها والوحيد القادر على دفعها، وفي ظل هذه الخطورة المرحلية فالتنديد وحده لا يكفي؛ ليس لأنه يجب عقد الأمل على مجلس الأمن أو الجيش اليمني، إنما يجب أن نظل نحاول الإمساك بالخيط الذي يمكن أن يقودنا إلى وقاية اليمن من شرٍ محض تقودنا إليه قوى الشر إذا ما نجحت في إدخال البلد في اقتتال مسلح بعد أن أنهكنا الاقتتال السياسي أفقد البلد كل إمكانياتها وقدراتها على الاستمرار في عدم السقوط، فماذا سيكون الحال لو دخلت البلد حربًا بالبنادق والدبابات والصواريخ والبشر والجهل والمال والقات والشمة!، لكن ما يجعلك تصاب بأشد درجات الذهول أن الرئيس هادي لا يزال مستمرًا في تخييب ظننا رغم محاولاتنا إكراهنا على الثقة به.
فبعد بيان مجلس الأمن الأخير ولقائه التشاوري بقادة الأحزاب وأعضاء مجلس النواب والشورى اكتفى بنصيحة للحوثي بالتراجع خطوة إلى الخلف بينما قرر فخامته أن يتراجع خطوتين ونصف الخطوة، لقد أمر الرئيسُ اللجنة الرئاسية بالاستمرار في عملها، وكلفها بتسجيل وتجميع الحلول والمقترحات التي سوف تطرح في الأيام القادمة لإيجاد حل للأزمة، وكأنني في مؤسسة خيرية أو مركز صحي، وليس داخل بلد تتجاذبه ذئاب المصالح وأخطبوطات الأجندة الخارجية في الوقت الذي تقف قدرة رئيس البلاد عند محاولة إطالة أمد الأزمة، وتأخير موعد السقوط، الرئيس سيستمع إذن إلى صوت المقترحات الاجتهادية والحلول الشخصية بينما لم يستمع إلى أصوات الشكاوى والاستغاثات التي تستنجد به من صعدة مرورا بعمران، وبلغ به الصمم أنه لم يسمع صوتها حتى وقد أصبح الظالم المشترك بين كل المظلومين قريبًا منه في ضواحي صنعاء ومنافذها، وأقرب أكثر إلى فخامته على شكل مخازن للأسلحة ومستودعات للقنابل تستمر في تصنيع الموت وتكديس التخريب على شكل خيانات عند محيط داره في الستين، ذلك الدار الذي قال الرئيس إنه يعيش هو وعائلته فيه وسيموت معهم وهو يدافع عن صنعاء وعن الجمهورية بقربه.
عفوًا سيادة الرئيس لم تكن بحاجة إلى أن تموت أو أحد أفراد عائلتك وأنتم تدافعون عن صنعاء، كنتَ يا فخامتك في غنى عن قول ذلك التصريح العاطفي الذي قمت برفع سقفه ردًا على عبدالملك عندما قام برفع نبرة تهديده، كنت في غنى عنه يا فخامتك لو استمعت لصوت الوطنية الغائبة عنك، تلك الوطنية التي لم نرها على الأرض يا فخامتك واكتفيت بتلقينها لنا عبر خطابات إنشائية مكدسة رددها غيرك قبلك على شكل خطاباتٍ مرتجلة إن كنت لا تزال تقرأها من ورقة لكنهم كذبوها بأفعالهم كما تكذبها بأفعالك الآن، إنك تبخل علينا أيها الرئيس وأنت تكتفي بإسماعنا مفردات وفهلوات الوطنية عبر الشاشات والتصريحات فقط، افعلها وخلصنا يا هادي، افعلها سئمنا ونحن نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا!، ولكن الطحن والجعجعة لا تكون بالزبد أبدًا، إنها تكون بما ينفع الناس وهذا ما تفتقده يا فخامتك، وهذا ما يجب تعبئة الحشود الوطنية للإيمان به والثبات عليه، نعم علينا أن نؤمن ونركن إلى الله ثم أنفسنا، يجب أن ننسى مجلس التآمر ونكفر بأجندة الارتهان، وندوس على سخافة وانبطاحية الأحزاب، يجب فقط وفقط أن نعتمد على أنفسنا وحدنا، اللغة السديدة التي سيكون لها الفصل الأخير هي زنود الرجال الوطنيين وحوافر الفحول الثابتين الذين سيلفظون السيد " مودرين " كما لفظوا قبله السيد " اُولد " وشردوا به أصقاع الأرض بشرشف من لباس الشريفات .
عبد الرحمن جابر
هل انتهت مسيرة الدلال السياسي ؟ 1034