كنا العرب أمةً لا تفقه ثقافة التعايش فيما بينها فقد كنا نقتتل على أتفه الأشياء وأبسطها فمن أجل ناقة قامت حرب ضروس أتت على الأخضر واليابس وفي هذه الظروف بعث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم فألف بين القلوب وجمع بين القبائل العربية وتحت راية القرآن أيضاً التقت الأمم ذات الثقافات المختلفة فتعايشت فيما بينها فتلاشت التباينات بين العربي والفارسي والحبشي والكردي وغيره فأقام الكل حضارة أساسها الإيمان بالعيش المشترك بين بني الإنسان كما أنه في ظل دولة الإسلام العادلة تعايش المسلم مع من يخالفه في الدين من يهود ونصارى وغيرهم من أرباب الديانات المختلفة ،فتعايشوا بسلام كلٌ منهم حريص على أن يحفظ للآخر حقوقه في العيش الكريم ولا ينتهكها وفقاً لتوجيهات الدين الإسلامي الحنيف الذي رسخت تعاليمه السمحاء ثقافة السلم والتعايش بين كل أتباعه.
وأجدادنا اليمنيون كانوا جزاءً من المجتمع العربي الذي نهل من معين الإسلام العذب، فهم أيضاً قد جسدوا ثقافة التعايش والقبول بالآخر من خلال رحلاتهم التجارية وهذه الثقافة جعلت اليمنيين سبباً في دخول السواد الأعظم من الناس من تلك البلاد في دين الإسلام لما لمسوه من رقي أخلاقهم وأمانتهم ووفائهم وحسن تعاملهم . ولقد سردت الحقائق السابقة ليعلم القارئ الكريم أن الإسلام هو دين غرست ثقافة التعايش ورقي التعامل في نفوس أتباعه ، وأن ما يمارسه البعض من إقصاء للآخر وإسكات صوته ولو استدعى ذلك أن تستخدم السلاح وتقتل وتسفك الدماء إنما هو نتيجة ثقافة خاطئة وفكر شائب توارثته تلك الجماعات من عصور التخلف والجمود التي مرت بها الأمة العربية حين أُبتليت في تلك العصور بحكومات دكتاتورية رفضت التجديد وكممت الأفواه وصادرت حقوق أي إنسان مخالفٌ لها في الرأي الديني أو السياسي بل واستباحت دمه فتوارثت تلك الجماعات هذا الفكر واعتبرته ديناً حتى جرت البلاد العربية إلى ما نحن فيه من الفرقة والاقتتال . ومما سبق يمكننا أن ندرك أننا بحاجة إلى فهم ثقافة التعايش مع الآخر مستلهمين لها من ديننا الحنيف وهذا يحتم على الجماعات التي صبغت نفسها بصبغة الإسلام أن تدرك مقاصد الدين وإنه لم يأت إلا ليعلم الناس كيف يعيشون بسلام وكيف يختلفون بحب وأن قابلت من يخالفها في الرأي يجب أن تقيم عليه الحجة إن رأت أنه مخطئ بالدليل والحوار الهادئ النابع من ثقافة تحب الإنسان وتحترم حقه في العيش الكريم.. وأنها كلما تشبعت بثقافة الكراهية كلما حولت الحياة إلى جحيم لا يطاق وتكون هي أول من تكتوي بناره.
عبده سعيد الصمدي
ثقافة التعايش..كيف نفهمها؟! 1147