صراع الإرادة والظروف القاسية يمكن في كثير من الأحوال أن يثمر لصالح الأحلام الجميلة والطموحات العالية ولو في مخيمات اللجوء.. حرارة الشمس المتوهجة فوق الرؤوس التي تشعرك بالعطش بعد سفر في فيافي وقفار تنهيها بشربة ماء على قارعة الطريق في سبيل ما، ما أقساه من واقع يرحل فيه البشر إلى الجهل والتخلف دون إحساس أو مرارة أو تأنيب ضمير، الإحساس بأنك أخطأت محطة تعطيك فرصة أن لا تخطئ مرة أخرى وتفعل الصواب إن أمكن..

ما أفظعه من خطأ وما أقساه من جهل حينما يتعلق الأمر بوطن تذبح أجياله نهاية كل عام قرابين لشهادة كرتونية يشنق عليها العلم والتعليم دون إحساس بالذنب أوتأنيب ضمير.. لا أجد مبررا لموسم (الغش) في الامتحانات العامة بشقيها الثانوي والإعدادي.. الألاف من الأجيال يتم تغييب عقولها حسياً ومعنوياً على مرأى ومسمع من الجميع ..آباء.. أمهات.. مدراء.. معلمين.. أصدقاء.. عسكر.. مشائخ.. مغششين.. فريق عمل متكامل تحضر في كل أدوات القهر لصناعة الجهل والتخلف في عقول الطلاب..ويزرعون الضياع للمستقبل ..الجهات المختصة في التربية والتعليم تقف باللا موقف أصيبت بالتبلد ونفسية سلبية تجاه الحد من هذه الظاهرة التي باتت تتكرر كل عام.. القهر ليس الفقر.. ليس الجوع.. القهر ليس أن تكون مظلوماً فقط.. القهر أن يطالك الجهل وأنت لا تعلم.. القهر أن تذهب إلى الجهل والتجهيل والتخلف وأنت لا تحس ولا تشعر.. القهر أن تكون ظالماً لنفسك ولمن حولك وأنت لا تشعر.. القهر تسميم العقول وتجهيلها لتصبح غير قادرة على توعية وتثقيف وتعليم نفسها.. غير قادرة على إدارة نفسها.. فأنى لها أن تعود للغير بالنفع.

الغش محرقة للأجيال.. وينتج أجيالا ضعيفة العلم والمعرفة.. رديئة المهارة والخبرة.. ماركة مسجلة في الأخطاء.. ما عساه أن ينتج لنا الغش سوى طبيبا مليئا بالأخطاء الفادحة والقاتلة في بعض الأحايين.. أو مهندسا رديئاً حبيس الأوراق والتصاميم نتائجها كارثية وانهيار مفاجئ للمشاريع على ساكنيها.. أو مدرس أجود ما فيه صناعة الأخطاء اللغوية والمعرفية والتربوية.. الخ منظومة الفشل المتوارث الذي يدمر حاضرنا وينال من مستقبلنا!!

ثمة العديد من الأسباب والعوامل قد يراها البعض أنها جعلت ظاهرة (الغش) ذبح العقول وتقديمها قرابين لشهادة كرتونية يشنق عليها العلم.. ولكنها ليست مبرراً لذلك.. وأنه ليس من العقل والحصافة أن يكون النهوض بالتعليم كجزء من النهوض بالتنمية البشرية عند الغير ونحن نعمل خلاف ذلك.. فيجب عاجلاً سرعة الحد من (ظاهرة الغش).. والقيام بتوعية مجتمعية بمخاطرها على الدولة والمجتمع.. وعلى الدولة القيام بوضع استراتيجية ومنظومة تعليمية تشمل معالجة الاختلالات في الأهداف التعليمية والإدارية والكادر التربوي والبشري.. وترتقي بقيمة العلم والتعليم قيمة لها مكانتها القيمية المعنوية ومردود مادي معرفي.. وردم الثغرات المؤدية للغش.

وأخيراً إن الاستثمار في الرأسمال البشري طريق حثنا عليه الوحي وطالبنا به ديننا الحنيف.. والنهوض به عن طريق العلم والتعليم أمر بات ديدن عالمنا المعاصر.. فلا مكانة لنا إن نحن تخلفنا..