لا أكاد أطالع الصحف اليومية أو الأسبوعية إلا وعناوينها الرئيسة دخان حرب وركام تدمير ونزيف دم وآهات ثكلى وأنين جرحى ونازحون أحاط بهم آلام التشرد، والبؤس والكآبة, إضافة إلى أنهار الدماء وبارود المدافع والألغام يفترسهم الحر والقر، والجوع والعطش والمرض بآلامه القاسية، وأشاهد الصور المعبرة عن المآسي التي يعانيها اليمنيون فهذه أجساد تمزقت أشلاء، وهؤلاء جرحى عاهتهم مزمنة، وهذه مساجد بمناراتها ومدارس بفصولها سويت بالأرض دون قدسية لمسجد أو احترام للعلم، وهذه أعراس ذهبت بهجتها وتحولت الأفراح إلى أتراح والبهجة إلى نكبة ونتيجة ذلك كله قُطِّعت الطرق، ودمرت الكهرباء، وفجرت أنابيب النفط والغاز، وتقطعت السبل بالناس وفرض عليهم حصار مطبق ومنعوا من السعي في الأرض كما أمر الله "فاسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور".
وأشد من ذلك كله تأججت الأحقاد والكراهية بين أبناء اليمن الموحد رغم لمصالح المشتركة والروابط القوية التي تجمعهم من دين، ولغة، ومصاهرة وأطلت قرون الفتنة على الساحة اليمنية بأنواعها ، فتنة الطائفية، وفتنة العصبية وفتنة السلالية ورفعت رايات الجاهلية وأضحى كل قوم لدعوتهم العنصرية المقيتة متعصبون ومن أجلها محاربون وعليها يوالون وعليها يعادون ومحاور هذه الفتنة ثلاثة: ـ
المحور الأول: الحوثية وما تحمله من أفكار وعقائد فارسية وباطنية حاقدة على أبناء اليمن خاصة وأهل السنة في العالم الإسلامي عامة وما نتج عن معتقداتهم الباطلة من استباحة دماء اليمنيين وأموالهم وتدمير مساجدهم، ومدارسهم ودورهم ومزارعهم ابتداء من كتاف ودماج وبقية مديرات صعدة وحجة وعمران، فذمار والرضمة والمسلسل مازال مستمراً..
المحور الثاني: الحراك الجنوبي المنقسم على نفسه قبلياً وسياسياً والرافع لرايات العصبية والفرقة على مستوى الوطن وما نتج عن ذلك من سفك دماء وتأخير عجلة الاقتصاد والاستثمار, إضافة إلى المعاناة التي ألمت بإخواننا في الدين والوطن أبناء الجنوب وأبناء الشمال, إضافة إلى الدعوات العنصرية التي لم يشهد لها الشارع اليمني في الشطر الجنوبي مثيلاً, ناهيك عما لحق بالجنوب من سفك دماء بسبب عنجهية الآلة العسكرية المدمرة الهمجية في المؤسسة العسكرية وسوء المعالجة للقضية الجنوبية مع تأكيدي بأن لإخواننا في الجنوب مطالب مشروعة ، وأموال منهوبة ، وحقوق مصادرة لم يتجاوب في حل قضاياهم أحد لا النظام السابق ولا اللاحق إلا أنه من المؤكد ان قوى خارجية استغلت الوضع في الجنوب لتنفيذ أجندتها ومخططاتها التآمرية تحت شعار القضية الجنوبية والحرب على القاعدة والتي راح ضحيتها الكثير من أبناء الجنوب قتلى وجرحى ونازحين.. فإنا لله وإنا إليه راجعون .
المحور الثالث: القاعدة وما نتج عنها من حروب في أبين وشبوة، حضرموت, إضافة إلى ظاهرة السيارات المفخخة والاغتيالات المستهدفة للقيادات العسكرية والاستخباراتية ومما زاد الطين بله تدخل الأمريكان بطائراته, مما افقد اليمن سيادتها مما زاد من التعاطف الشعبي مع القاعدة وزاد من الغضب الشعبي نحوها خاصة وأنها طالت الأبرياء من الأطفال والرجال والنساء.
وتحت مبرر محاربة الإرهاب تتحرك الآلة العسكرية لتقتل من يسمون بالمطلوبين أميناً دون محاكمة أو شريعة أو قانون ويتم إدخال البلاد في فوضى عارمة وظلم محقق للأبرياء لسفك دمائهم بغير حق وبالمناسبة فقد طفت إلى السطح عدة حوادث من هذا النوع منها حادث في 9/5/2014م قتل فيه اثنان من مشايخ مأرب من آل شبوان ومواطنان من حراز ومواطن سعودي في نفس الشهر وفي الأخير في تاريخ 4 شعبان 1435هـ الموافق 2 يونيو 2014م عمرو علي قائد الموزعي الطالب في جامعة تعز اعتدى عليه ظلماً وعدوناً وأصيب برصاصات قاتلة تحت مسمى محاربة الإرهاب وهو و من قبله أبرياء من هذه التهمة الظالمة التي طالت الكثير من الأبرياء رجالاً ونساءً .
مما سبق يتلخص أن محاور الصراع تتمثل في الحركة الحوثية، والحراك الجنوبي، والقاعدة.. هذه المحاور الظاهرة، لكن في نظري أن هذه المحاور ما كان لها أن تبرز لولا التغذية والدعم العسكري والمالي والفكري التي تقدمه محاور خفية محلية وإقليمية ودولية ولها في تأجيج الاقتتال بين أبناء اليمن مصالح ومآرب متعددة
المساحة المتاحة للمقال لا تسمح بذكرها..
إن الاقتتال بين أبناء اليمن جريمة بكل المقاييس ووقعنا فيما حذرنا منه النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث قال " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " ومع الأسف أن أبناء اليمن يقاتلون بالوكالة عن غيرهم وأضحت اليمن ساحة تصفية حسابات وساحة صراع سياسي واقتصادي محلي و دولي وإقليمي وكل من المتصارعين يريد تحقيق مصالحه في أرض اليمن ولن يجني اليمنيون من هذا الصراع إلا أنهاراً من الدماء ، وركاماً من الدمار وأجيالاً من الأيتام والمعوقين ومئات الآلاف من النازحين والمهجرين ، ومزيداً من الظلام والمعاناة والفقر والجهل والخوف والجوع والمرض، إضافة إلى تقطيع أواصر الرحم والقربى بين أبناء الشعب اليمني المسلم وهذا مطلب أساسي لأعداء اليمن خاصة اليهود والنصارى والمجوس " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين " ، فعلامَ إذن يتقاتل اليمنيون وإلى متى سيظل هذا الاقتتال ؟ في نظري لم أجد سبباً وجيهاً يستدعي اقتتال اليمنين سوى أنهم وقعوا في الفتنة وفي شراك أعدائهم ، وتنافسوا على الدنيا والمناصب وصدق الرسول- صلى الله عليه وسلم- : حيث قال " ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم " رواه مسلم.. فعليهم إذاً أن يراجعوا أنفسهم ويحكموا شرع الله فيما بينهم الذي يأمرهم بأن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم وأن لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، فلا يمكن لهذا الحرب أن تسير إلى مالا نهاية فلا بد من محطة وقوف وهذه المحطة هي المصالحة الوطنية.
ولهذا أدعو حكماء اليمن وعقلاءه إلى أن يتداعوا إلى مؤتمر صلح وسلام على غرار مؤتمر المصالحة الوطنية الذي أقيم في حرض عام 1970م على أثره وضعت الحرب في اليمن أوزارها واتجه أبناء اليمن لبناء وطنهم ودولتهم وعليهم في هذا المؤتمر أن يخرجوا بحلول عملية يتغلب فيه اليمنيون على نزغات الشياطين وتجار الحروب الذين يتربصون باليمن واليمنيين شراً؛ ينطلق هذا المؤتمر بمبادرة ذاتية من حكماء اليمن دون وصاية إقليمية أو دولية وذلك تطبيقاً لقول الله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " "والصلح خير " فهل يفعل حكماء ووجهاء اليمن ذلك؟ أليس فيهم رجل رشيد ؟..اللهم حقق فينا قول رسولك " الإيمان يمان والحكمة يمانية ".. اللهم آمين.
عبد العزيز بن عبدالله الدبعي
دعوة هامة لحكماء اليمن وعقلائه 1160