إن هنالك علاقة طردية بين غياب الدولة ونظام الدولة وتطبيقها للقوانين وبين حضور وعي التخلف والتعصب للطبقات القبلية والسلالية ، والتعصب الطائفي والجهوى والتعصب للشرائح الاجتماعية المتسلّطة والمستلبة، بمعنى أنه كلما غابت الدولة ونظامها وقانونها حضرت العصبيات، وهنا ندرك أن خلاص اليمنيين يكمُن في قبولهم جميعاً بأن يكونوا مواطنين متساوين بلا فوارق ولا امتيازات أمام الدولة ونظامها، ولكن مشكلة اليمنيين هي غياب الدولة, فهو الهوان المحض الذي يعانوه ويكابدوه جمعا.
والحاصل أن غياب الدولة يعني حضور وعي الطبقات والشرائح الاجتماعية المتسلّطة والمستلبة، ويكون الأمر أسوأ بالتأكيد وهو يتكلّل هنا من ناحية مذهبية دينية للأسف» ولابد من تعاون كل القوى اليمنية من وضع حد لكل آثار التعصب القبلي والتعصب المذهبي، وعمل توعية للتخلص من بدائية وتخلّف الوعي بالدين وانهيار معطيات الضمير والعقل، ورفع مستوى العلم والفهم والوعي القانوني لنكون صالحين دوماً للقيام بالواجبات والمطالبة بالحقوق والحريات والديمقراطية والقانون والتطور والانتخابات المدنية الحديثة.
فالثابت القطعي أن الدين يرفض الانحطاط، وإنما يؤكد علي الارتقاء على الدوام، والدين لا يُثقل كاهل الشعوب والدول، بقدر ما يجعلها أكثر خفة، وأكثر نضجاً وفاعلية.
هكذا نفهمه؛ بينما كانت مهمته العميقة في سياق علاقته المهمة بالدولة، أن جعْلها تقوم على الحرية والشورى والعدالة والمساواة والمواطنة ولكن الجهل والاستبداد والحكم الوراثي جهّل الأمة وعرّض هذه المبادئ مراراً للتجريف والتسويف والتشويه والمغالطة على مدى قرون كما نعرف، ومازال الحبل على الجرار، ولنأخذ في الاعتبار هنا ما تنطوي عليه أفكار المستبدين باسم الدين من تأثيرات على المواطنة والدولة الحديثة والديمقراطية؛ مثل أفكار ولي الأمر، والولاية والولاء، والخلافة، والإمامة ،سواءً أفكاراً شيعية أو أفكاراً سنية.
ومن المعلوم أن الرسول مات وقد اكتمل الدين بثوابته ،وترك أسئلة الحكم للاجتهاد ليواكب المسلمون متغيرات الحياة زماناً ومكانا، فلم يُجِب لا القرآن ولا رسول الله على من يحكم ؟ومن له شرعية ترشيح الحاكم ؟ وما هي آلية الوصول إلى الحكم؟ وكيف يحكم؟ وكم مدة حكمه ؟ وكيف يراقب ويحاسب ؟ إن الله ترك الإجابة للاجتهاد، والتفكير والإبداع وإنتاج الحلول الموضوعية لأزمات المجتمع، ورفض الإسلام توارث الحكم ،وحرم الاستبداد والظلم والتفرُّد، وحدد مبادئ وقواعد يقوم عليه الحكم الا سلامي، حدد الحرية ،والشورى ،والعدالة ،والمساواة، ووضع معايير مكتسبة للحاكم مثل القوة والأمانة والخبرة والحفظ والعلم وغيرها، ولم يشترط أي شروط ممّا وضعها المستبدون من شروط الجنس أو القبيلة أو أو ....إلخ, لأن كليات الإسلام ومقاصده مع رفض مهيمنات الاستغلال السياسي القبلي والسلالي والفقهي المشين للدين، فضلاً عن أنه مع عدم الإضرار بتجانس الشعب وهويته الوطنية الجامعة.
وإذ يبقى الدين من هذا المنطلق مع تحقيق السلم المجتمعي للأمة السياسية والبرهنة الحيوية على عدم جدوى الاستبداد، فإنه لا يمكن أن يكون عائقاً للنهضة والمعاصرة في كل مكان وزمان، على اعتبار أنه الصيغة الأمثل للاحترام والتكامل والتسامح داخل حدود الدولة الضامنة لكل تجليات مفاهيم وقيم العدالة والتعايش.
باختصار.. يجب أن نتعاون على أننا مواطنون يمنيون؛ ولسنا مواطنين من أصحاب مطلع ومن أصحاب منزل ولا زيوداً أو مواطنين شوافع..!. . والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
الدولة والنظام والقانون 1271