منذ الأيام الأولى لتعيينه وزيراً للداخلية أثبت اللواء/ عبده حسين الترب, أن الوطن لا يزال مليئاً بالكفاءات النزيهة والمخلصة للوطن، لا للمصالح والاعتبارات الضيقة.
وهذه الكفاءات تستطيع أن تقدم للوطن الكثير إذا ما أتيحت لها الفرصة، ولكن معظم هذه الكفاءات مرمية في الأروقة الإدارية، لكونها غير مرغوبة من قبل الساسة الذين لا يقدمون للمناصب الهامة إلا تلك الشخصيات القادرة على "رد الجميل" لهم، والتي يمكن تحريكها بالريموت كنترول بغض النظر عن المصلحة العليا وسيادة القانون.
ما يدفعني إلى هذا الحديث هو أن تلك الإجراءات الأمنية الحازمة التي يجري تنفيذها في عدد من المحافظات منذ تولي اللواء الترب لوزارة الداخلية، قد بثت الأمل في النفوس، وغدت بشارة خير لدى عامة المواطنين، إذ إن أكثر ما يؤرقهم في هذا البلد هو الاختلالات الأمنية التي حصدت مئات الأرواح بفعل تفشي العصابات وانتشار الجريمة وانكماش القدرة الأمنية وعجزها عن حماية المواطنين حتى في أواسط المدن الرئيسة.
لا يمكن القول إن الأمن قد استتب، أو أن قرارات وزير الداخلية وإجراءاته قد حلت المشكلة، ولكن المشروع الذي قدمه وزير الداخلية إلى الحكومة، إضافة إلى ما فعله حتى الآن يعد مؤشراً هاماً على أنه بالإمكان تحقيق الكثير، فالحملات الأمنية التي تمنع حمل السلاح، والتوجيهات الصارمة إلى مدراء الأمن بتنفيذ واجباتهم تكشف أن لدى هذا الوزير رؤية، وهو ما تفتقده معظم الوزارات.
يوم الأربعاء قام الوزير بزيارة محافظة أبين إضافة إلى بعض المؤسسات الأمنية و العسكرية في الضالع والعند، متفقداً الوضع الأمني، وجاهزية المؤسسات الأمنية، ومدى تحركها في تنفيذ الخطط المرسومة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذا الوزير يعي عمله، ويدرك واجباته، وأنه على قدر المسئولية التي أسندت إليه، فهي تكليف لا تشريف، وهو في خدمة الشعب من خلال موقعه.
ولذلك فإن زيارته لمحافظة أبين، تعد رسالة للقوى التي استمرأت العبث وإشاعة الفوضى، بأن لهذا الوطن رجالاً قادرين على وقفها عند حدها، بل وإنزال العقوبة الرادعة بها، حتى ولو اقتضى الأمر تقديم أرواحهم رخيصة في سبيل هذا الوطن.
لقد كان بإمكان الوزير أن يرسل تعليماته من مكتبه، وأن يتلقى التقارير إلى طاولته، ولكنه فضل النزول بنفسه، وتلمس الأوضاع على حقيقتها، غير مبالٍ بإمكانية تعريض حياته للخطر سيما في منطقة تحفظها القاعدة عن ظهر قلب كأبين.
وإذا كان الوزير أي وزير مستعداً للتضحية، فإن مرؤوسيه سيكونون أكثر استعداداً، وسترتفع معنوياتهم، لا سيما وهم يرون قادتهم يتقدمون أمامهم إلى أكثر الأماكن خطراً، مهمومين برسالتهم الوطنية لا بالحفاظ على أنفسهم.
ما يهم قوله الآن هو أن المؤسسة الأمنية لا يمكن أن تنجح ما لم تتلق الدعم الكافي من قبل الرئيس والحكومة، وما لم تتعاون المؤسسات الأخرى على تسهيل مهمتها.
فضلاً عن دور المواطن الذي ينبغي أن يكون إيجابياً في إبلاغ الجهات الأمنية بوجود أي تهديد متوقع أو خطورة أو مكان مشتبه به.
ولا بد من أن نشد على يد وزير الداخلية، لجهوده المبذولة وللجدية والنشاط اللذين يتمتع بهما. وفي نفس الوقت نوجه له رسالة مهمة: يا سيادة الوزير.. يتفاءل بك المواطنون كما لم يتفاءلوا بوزير من قبل, فلتكن عند حسن ظنهم- وأظنك عنده- ولا يدفعنكم، من حولك إلى استكثار ما تفعله أو ستفعله، فالوطن مهما قدمنا له يظل قليلاً بجانب حقه علينا.
يا سيادة الوزير.. لا يسأل الناس عن انتمائك السياسي ولا يهمهم ذلك ما دمت تتعامل بالقانون دون ميل أو تعصب لأي حزب أو فئة أو جماعة أو شخصية, الفرصة سانحة لتخلد اسمك بحروف من ذهب في قلوب اليمنيين، فكن لله والوطن يكن الاثنان معك.
رسالة ثانية أوجهها للقوى السياسية بأجمعها: الوطن سفينة الجميع، ويتسع للجميع، فأبعدوا قضية الأمن عن حساباتكم الضيقة، ولا تتصوروا أن من يسهم في خلخلة الأمن وجر البلاد للفوضى، يمكن أن يحقق أي مكاسب سياسية، سواء بالانتخاب أم بالقوة، فالشعب اليمني قد شب عن الطوق وعرف الطريق إلى تصحيح المسارات عندما تعوزه الحيل، كما أنه أصبح قادراً على التمييز بين الغث والسمين، ولا يمكن للتضليل أن يُفقِده رؤية الحقيقة، وحين يضيق الشعب بمن يستمرئون العبث بأمنه ولقمة عيشه فإنه سيلفظهم دون رحمة، وسيحشرهم في أضيق زاوية يمكن أن يتخيلوها.
قاصد الكحلاني
وزير الداخلية واستعادة الأمل 991