في خطوة تالية من الخطوات التي تتخذ ضد حركة الإخوان المسلمين في الوطن العربي جاء قرار السعودية باعتبار حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية مع تجريم الانتماء إليها ورفع شعارها أو تبني مواقفها السياسية وهى تأخذ نفس التكييف القانوني والتحليل السياسي لذات الخطوة التي اتخذتها مصر من قبل ضد هذه الحركة لا فرق بينهما قيد أنملة ولا حبة خردل فهي هي ذات الخطوة وهي هي ذات المؤامرة على الأمة العربية والإسلامية من عملاء الخارج وأعداء الداخل من حكام الدول العربية الذين يعتبرون بحق من ألد وأشد أعداء الأمة العربية والإسلامية ليس الشعوب والأوطان فقط بل والدين الإسلامي من قبل.
أولاً تجريم حركة إسلامية وتجريم الانتماء إليها وتبني شعاراتها يضر آل سعود وينسف مكانتهم ويعتبرهم مغتصبين للسلطة بل وإرهابين لأن ما قام ملك آل سعود في الأراضي الحجازية والأراضي المقدسة إلا بناء على حركة إسلامية هي حركة محمد بن عبد الوهاب ( الحركة الوهابية) وقد كانت هذه الحركة من أهم الأسس الإسلامية والقانونية التي بنى عليها ملك آل سعود بل واستمرارهم في الحكم حتى الآن تأسيسياً على فكر الوهابية وهى حركة إسلامية مثلها مثل حركة الإخوان المسلمين بل الحق يقال أن الإخوان أوسع صدراً وأرحب فكراً من فكر الحركة الوهابية المنغلقة فكراً والمسدودة أفقاً والمتشددة دينياً.
فضلاً عن اعتناق فكر معين يعتبر أساس حرية الرأي والتعبير وهذه الحرية قاعدة عامة متخذة من أصل في الشرع الإسلامي بناء على الآية الكريمة ( لا إكراه في الدين) والآية الكريمة ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فحرية تكوين الآراء والاعتقاد والاعتناق بها من أهم أسس النظرية العامة للقانون الدستوري وموجودة في كافة دساتير العالم ومنها الدستور السعودي الذى يعتبر النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ أهم وثيقة في الدستور السعودي والذى يتكون أيضاً من نظام مجلس الشورى لعام 1412هـ ونظام المناطق لعام 112هـ ونظام مجلس الوزراء لعام 1414 هــ ونظام القضاء لعام 1395 هــ .
وتعتبر حرية الرأي والتعبير وحرية اعتناق الأفكار من أهم حقوق الإنسان التي نص الدستور السعودي ( وثيقة النظام الأساسي للحكم) في المادة ( 26) على حمايتها (تحمي الدولة حقوق الإنسان .. وفق الشريعة الإسلامية) وأيضاً المادة (39) التي أوجبت احترام الإنسان وكافة حقوقه فضلاً عن المادة (70) التي نصت على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تصدر فور التصديق عليها بمرسوم من الملك وكافة معاهدات وإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية مصادقة عليها السعودية وهى ملتزمة بها ولا يمكنها التخلي عن الالتزام بكل اتفاقيات وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية.
لأن اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان تسمو على القوانين الوطنية وهذا ما نصت عليه المادتين الثالثة والثانية والثلاثين من مدونة المسئولية الدولية الصادرة عن لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وأكدتا على ضرورة التزام الدول بأي التزام وارد في اتفاقية أو معاهدة دولية حتى لو كانت تخالف القانون الوطني وقالت اللجنة أيضاً أن هنالك من الحقوق التي تجعل من مصلحة جميع الدول الالتزام وتنفيذها، وذلك لأهمية الموضوع بالنسبة للمجتمع الدولي ككل، وذلك على خلاف الالتزامات الأخرى، ومنها حقوق الإنسان ومنها حق حرية الاعتقاد واعتناق الأفكار والآراء الوارد في كافة مواثيق وإعلانات واتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية.
وقد نص ميثاق الأمم المتحدة على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقا -بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء) وأكد ذلك قرار محكمة العدل بخصوص النزاع بين بلجيكا وإسبانيا إذ جاء فيه (أن الحقوق الأساسية للفرد تنشأ التزامات قبل الجميع أي قبل جميع الدول سواء كانت أم لم تكن أطرافاً في الاتفاق الذي ينظم هذه الحقوق.)
هذا وقد فرض القانون الدولي حمايته على حرية الرأي والتعبير، في اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان وطالب المجتمع الدولي ممثلاً في أشخاصه من الدولي والمنظمات الدولية العالمية والإقليمية، باحترام حرية الرأي والتعبير، بل طالبهم بتسهيل مهمتهم، وأبرز ذلك ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م المادة الثامنة عشر والتي نصت على ( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده.) والمادة التاسعة عشر التي نصت على (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.).
كما نص ذات الإعلان على حق كل مواطن في الاشتراك في أي من الجمعيات وحقه في التحدث ومناقشة الأمور العامة التي تهم مجتمعه، وذلك في المادة ( 20) التي نصت على(1. لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. 2. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.) كما فرض وأوجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966
تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقاً لأحكام المادة (49) حماية لحرية الفكر والتعبير في المادتين (18) و (19) وقد نصتا على (المادة 18) ( 1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يتدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة.
كما نصت المادة(19) على ( 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
1. لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
2. لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
فضلاً عما سبق من وجوب احترام حرية التعبير والفكر لأي إنسان فإن القانون الدولي فرض حماية على شخص الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان السالف في المادة(3) على (لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.) وهناك العديد من النصوص التي تؤيد على حرية الصحافة وحماية الصحفيين وحرية الفكر والرأي والتعبير في العديد من الوثائق والإعلانات والاتفاقيات الدولية وهي:
1 - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م.
2 - الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1966م.
3 - الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1966م.
4 – البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م.
5 – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية الصادرة عن الأمم المتحدة.
6 – وإعلان حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة عام 1959م.
ومن المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الإقليمية التالي:
1 – الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أعد في إطار جامعة الدول العربية لعام 1945م وميثاق عام 1997م.
2 – الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
3 – الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ( اتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوربا الصادر في روما في الرابع من نوفمبر عام 1950م.
4 – ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي.
5 – الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان عام 1948م.
6 – البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1999م.
7 – الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان(الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان المبرمة في سان خوسية بتاريخ 2/11/1969م)الذي أعد في إطار منظمة الدول الأمريكية.
فضلاً عن أن اعتبار جماعة ما أو حركة معينة إرهابية لا يكون عادة بمرسوم أو قرار حتى ولو ملكي لأن ذلك من اختصاص القضاء فيجب أن تخضع تصرفات وأفعال أفراد الجماعة ومنتمين الحركة للقضاء حتى توزن أعمالهم بميزان العدالة وتطبيقاً لقانون العقوبات الوطني والاتفاقيات الدولية بشأن الإرهاب وخاصة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وكذلك الاتفاقيات العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي حصرت أعمال معينة حددتها إذا حدثت من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مثل الدول والمنظمات الدولية أو الجماعات والحركات لو تم ارتكابها يكون مرتكبها مرتكب لجريمة الإرهاب لذلك فهذا القرار والمرسوم الملكي صدر على غير أساس من القانون.
وقد أصدرت لجنة الإفتاء السعودية فتوى باعتبار الإخوان المسلمين جماعة حق وتعمل بكتاب الله وسنة نبيه واعتبر العديد من علماء وفقهاء السعودية هذا القرار غير صحيح وأنه صدر لأسباب سياسية خاصة بالمرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة العربية وخاصة وأن السعودية تعتبر من أكبر الدول التي كانت داعمة للإخوان ضد حكم عبد الناصر وكان الإخوان يهربون من بطش عبد الناصر إلى السعودية ومنهم مازال موجوداً بها حتى الآن فضلاً عن أن السعودية تقف بجانب الإخوان في معارضتهم وحربهم ضد بشار الأسد في سوريا.
هل إخوان السعودية غير إخوان سوريا؟.
كما أنها وقفت معهم في حرب أفغانستان ضد الروس لذلك فالمرسوم الملكي أو قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية هو موقف سياسي.
ترتيباً وتطبيقاً على ما سبق بيانه، فإن حرية الرأي والتعبير مصونة بالقانون الدولي العام وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من النظام العام في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن القواعد الآمرة فيه، فلا يجوز الانتقاص منها أو الحد منها، كما أنها تعتبر حقوق طبيعية تلتصق بالإنسان، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، لأنها قاعدة عامة بذلك يكون الإعلان السعودي من الناحية القانونية باطل بطلاناً مطلقاً أي منعدماً, والتصرف المنعدم يعتبر في نظر القانون عمل مادي يقف عند حده ولا يترتب عليه أي آثار قانونية ولا يصححه رضاء الأطراف.
د. السيد مصطفى أبو الخير
حظر السعودية حركة الإخوان المسلمين رؤية قانونية سياسية 1648