إقالة حكومة الببلاوي وتعيين محلب رئيساً للوزراء والإبقاء على عشرين وزيراً في وزارتهم وتغيير كل وزراء جبهة الإنقاذ، هو في حقيقته الخطوة الثانية في مرحلة عودة النظام السابق، نظام مبارك، فرئيس الوزراء كان عضواً بارزاً في لجنة سياسات الحزب الوطني، كما تم الإبقاء على كل من ينتمي للنظام الفاسد السابق وتغيير كل من الوزراء الذين ينتمون اسماً لثورة 25 يناير، حيث تم استغلال جبهة الإنقاذ والتيارات السياسية التي وقفت مع العسكر في الانقلاب مثل تمرد و6 إبريل وجبهة الإنقاذ وحزب النور في دعم الانقلاب العسكري الدموي، فقد انتهى دورهم في عودة مصر للعسكر وسوف يتم دفنهم سياسياً.
وما أن تأكد العسكر من عودة الدولة لهم حتى صدر قرار من الرئيس المؤقت بجعل المؤسسة العسكرية دولة فوق الدولة، وبجعل رئاسة المجلس العسكري ومجلس الأمن القومي لوزير الدفاع، حيث يتحكم المجلس العسكري الذى يرأسه وزير الدفاع في الدولة كاملاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فضلاً عن أن المجلس هو الذى يعين وزير الدفاع، وبذلك لا يستطيع أي رئيس قادم أن يتدخل في أي شأن من شئون الدولة إلا بإذن من المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها مالكة الدولة الحقيقية وصاحبة السيادة والقرار.
وقد سلط العسكر كافة وسائل إعلامهم لتشويه صورة أي رئيس مدني، وما فتح باب الترشح للرئاسة إبان فترة المجلس العسكري قبل إجراء الانتخابات الرئاسية لأشخاص أقل ما يقال فيهم أنهم ليسوا أسوياء وتركيز إعلام المخابرات عليهم لتشويه مركز رئيس الجمهورية حال شغله من قبل شخص مدني كما فعلوا مع الدكتور- محمد مرسي، فكل ما يجري معه وضده الآن ما هو إلا رسائل قوية لأي مدني يفكر في الترشح لرئاسة الدولة، لذلك هم استقلوا بالدولة بعيداً عن أي مدني وهم الآن يبحثون عن شخص يقبل تمثيل دور رئيس الدولة بشرط أن يكون كومبارس ينفذ إرادة وقرارات المؤسسة العسكرية دون تردد أو سؤال، فالجيش بقرار تشكيل المجلس العسكري واختصاصاته الواردة في الوثيقة الانقلابية التي تسمى زوراً وبهتاناً دستور في المادة (200) منه تجعل المؤسسة العسكرية دولة فوق الدولة بل دولة أغنى وأقوى من الدولة.
فبعد ثورة 25 يناير ومع مرور الأيام تأكد الشعب المصري أن سبب أزمة مصر الحقيقية تكمن في المؤسسة العسكرية التي تتمتع وتستمتع وتمتلك كافة خيرات مصر دون رقيب أو حسيب، فقد أدرك الجيش بعد ذلك صعوبة قبول حاكم عسكري، لذلك فهو يحاول حالياً الاستقلال سياسياً واقتصادياً ومالياً عن الدولة وقد قبل نظام المتهم مبارك ورجال أعماله أن يكونوا كومبارس للمؤسسة العسكرية في مصر بشرط الفوز ببعض اللقيمات والقيام بدور غسل أموال كبار قادة المؤسسة العسكرية الذين يختبئون خلف رجال الأعمال، حيث يمتلك قادة المجلس العسكري معظم شركات وأموال رجال الأعمال، ومن رجال الأعمال هؤلاء من يقف خلفه أحد أمراء الخليج فلا يعدو كونه عضواً منتدباً لمجموعة شركات الأمراء.
ويؤكد ذلك أن رئيس الوزراء الجديد صرح بأن أول مهام منصبه محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد والتكفير وناشد الدول الإقليمية الداعمة للانقلاب وتسول منهم ومن الدول الغربية التي دبرت الانقلاب وعلى رأسها الولايات الأمريكية والكيان الصهيوني الدعم السياسي والإعلامي، فالمؤسسة العسكرية في مصر حالياً تخطط لإقرار وتثبيت مميزات وحصانات تحميها وتحمي سلطتها ومملكتها الاقتصادية ونفوذها السياسي، وما تحصين وزير الدفاع في الوثيقة الانقلابية التي يطلق عليها زوراً وبهتاناً إلا تحصيناً للمؤسسة العسكرية ذاتها وفي سبيل ذلك خضعوا تماماً للولايات الأمريكية والكيان الصهيوني وأصبحوا عملاء للخارج وأعداء للداخل.
وقد تركت المؤسسة بعض اللقيمات إلى الشرطة / الداخلية في مقابل إطلاق يدها للتعامل غير الآدمي مع الشعب المصري دون طبعاً أن ترقى الداخلية لدرجة شريك مع المؤسسة العسكرية بل تابعة لها ويدها التي تبطش بها.
وقد دخلت الكنيسة في مصر في اللعبة لضمان تأييد نصارى مصر للمؤسسة العسكرية، لكن الأصح فرضتهم الولايات الأمريكية على العسكر معادة للإسلام ولمحاولة تفتيت مصر وحماية لمملكة وإمبراطورية النصارى الاقتصادية، وتعد خطوة مهمة في مؤامرة تقسيم مصر لعدة دويلات متنازعة، حيث بدا العسكر في مصر التنازل عن الكثير من الأراضي والسلطات للكنيسة التي تحركها المخابرات الأمريكية تمهيداً لمحاولة قيام دويلة نصرانية في مصر على المساحة الممتدة من الإسكندرية إلى أسيوط لعودة مصر إلى وضعها قبل توحيدها على يد الملك ميينا موحد القطرين، لذلك يجب لعودة الاستقرار لمصر بعزل قيادة الكنيسة التي تنفذ مخطط المخابرات الأمريكية وتعمل دون رضاء الكثير من نصارى مصر وتأميم إمبراطورية الكنيسة الاقتصادية التي تتبنى هذا المخطط.
ومن بين خيوط المؤامرة التي بانت ما يحدث في شتلاين وحلايب من دخول قوات سودانية لهما تمهيداً لضمهم للنوبة وتكوين دويلة نوبية.
لذلك لا تتوقعوا من العسكر سوى السير في مخططهم إلى النهاية لأن التوقف عن ذلك أو العودة للوراء فيه القضاء على نفوذ المؤسسة العسكرية السياسي والاقتصادي للأبد ومن قبل حياتهم وأموالهم ومستقبلهم.
لذلك يجب على الثوار الاعتماد على الله أولاً ثم على قوتهم, ولا يشغلوا بالهم بما يقوله الغرب لأنه لا يقف إلا مع من معه القوة التي تستطيع أن تهدد مصالحه فقط، ولا يعرف إلا لغة القوة ولعبة المصالح، ولا تهتموا بما يقوله إعلام المخابرات، فالانقلاب فشل وأدرك الغرب ذلك؛ ولكنه يحاول دفع دماء جديدة له عن طريق المساعدات المالية من السعودية والإمارات، ولكن لا يحيي الموتى إلا الله، فالموت الحقيقي للانقلابين والانقلاب قد حدث، فالموت اكلينكيا وسياسياً قد حدث، ولا يهم تغيير الوزارة مع ثبات النظام ولا أي قرارات تصدر عن سلطات الانقلاب أبداً لذلك ركزوا جهدكم في تصعيد المظاهرات والصمود والصبر والمصابرة، إنما النصر صبر ساعة وقد اقتربت الساعة جداً.
د. السيد مصطفى أبو الخير
لعبة تغيير الوزارة وثبات النظام 1419