لقد كان سقوط الإمامة كدولة ونظام, بينما استمرت كفكرة ومنهج، حيث استطاعت القوى الإمامية, عقب قيام الثورة, أن تجمع صفوفها وتوحد كلمتها، والتفت كل الأسر والبيوت التي حكمت اليمن، وتلك التي كانت تنتظر دورها في الحكم والإمامة، وأخذت مجتمعةً بشن حرب عسكرية ضد النظام الجمهوري، وكانوا يعملون جميعاً تحت راية الإمام المخلوع البدر وعمه الحسن نائباً له، بينما تولى الأديب والشاعر الكبير أحمد محمد الشامي وزارة خارجية القوى الملكية والتيارات الإمامة.
لقد صمدت الثورة والجمهورية في وجه القوى الإمامية والظلامية، التي حصلت على الدعم والمساندة من بعض الأنظمة العربية والدول الغربية بما فيها الدولة اليهودية (إسرائيل) حيث تم تجنيد المرتزقة ودعم الإمامين بالأسلحة والعتاد الحربي والخبراء والمدربين, فقد كان المرتزقة من الخبراء العسكريين والسياسيين الأجانب هم العمود الفقري لجيش الإمام البدر، فقد كان المستشار السياسي للبدر الأمريكي (بروس كوندة) بينما كان مستشاره العسكري (انتونى بويل).
وأمام صمود القوات الجمهورية شكلت القوى الإمامية مجلساً للإمامة برئاسة الأمير محمد بن الحسين بن الإمام يحيى حميد الدين باعتباره أقوى من البدر على الصمود وأقدر على جمع شمل الأسرة والملكيين في جبهة واحدة، وفي هذه الأثناء أخذ الملكيون يضاعفون من أعداد المرتزقة من أفريقيا وأوروبا وأمريكا وأغدقوا عليهم الأموال والأسلحة، وعقب حركة 5 نوفمبر 67م بدأ الملكيون يوزعون المتفجرات في مختلف مناطق اليمن وطرقاتها بهدف إحداث بلبلة وإقلاق الأمن، واستطاعت القوات الإمامية الوصول إلى مشارف صنعاء وحصارها حيث أعلنت أكثر من مرة سقوط صنعاء ونهاية النظام الجمهوري بهدف إضعاف معنويات اليمنيين.
وخلال ذلك تكونت المقاومة الشعبية في مختلف المدن اليمنية للدفاع عن صنعاء مع القوات المسلحة ورفع الجميع شعار (الجمهورية أو الموت)، وكانت ملحمة السبعين يوماً التي بدأت في الأول من ديسمبر 1967م وانتهت في الثامن من فبراير 1968م، ومع شدة الحصار وكثافة النيران إلا أن القوات الجمهورية استطاعت دحر القوات الإمامية وهزيمتها.
لقد خاب ظن الإماميين وتحطمت آمالهم أمام الالتفاف الشعبي والزخم الجماهيري والتأييد الإلهي الذي أحاط بالثورة والجمهورية، وتم دحر فلول الملكية، وبذلك أدركت القوى الإمامية استحالة المواجهة العسكرية لإسقاط الثورة والجمهورية وبرز من ذلك الوقت الكلام حول المصالحة الوطنية، حيث أراد النظام الجمهوري وقف المعارك الدموية.
وأراد الإماميون الدخول في جولة من الصراع السياسي والفكري, فقد دخل الإماميون المصالحة رهبةً لا رغبةً وضرورةً لا قناعةً وكان دخولهم في الجمهورية أفواجاً لنقل المواجهة من الحرب العسكرية إلى الأعمال الفكرية ووجد التيار الإمامي في المصالحة الوطنية هروباً من الهزيمة والانهيار, فأعلنوا الولاء للثورة والجمهورية، إلا أن ذلك لا يعني الإيمان بالثورة ولا التوقف عن محاولة الكيد لها والنيل منها.
عبد الفتاح البتول
8 فبراير وملحمة السبعين الأولى 1534