لا تسألني عن الشعب العظيم صاحب الحضارات, فأنا لا أدفن رأسي في التراب, لا تشغلني بكلمات نتغنى بها عن عظمه الشعب وأناشيد وطنية عدنا نحفظها على مدى أجيال ولم نعد نشعر بها.. لا تسألني عن الشعب صاحب الحضارات وباني الأمجاد وحامي العروبة, لا تسالني عن كلمات تغنينا بها في صبانا عن شباب النيل يخطب العالم رجولتهم وأصالتهم, لا تسألني أين الرجال وفي السجون بنات في العشرينات من أعمارهن يقضين أيامهن بين الساقطات والعاهرات والقتلة وفينا من ينام متمتعًا في فراش نومه. لا تتغني بكلمات ماتت مع النخوة والشرف. فلم تعد الدماء تغلي في العروق ولم تعد الوجوه تصيبها الحمرة من إهانة حرائر الوطن في الشوارع والطرقات, إن كان لك أن تختلف مع سياستي فهذا حقك ولكني اختلف معك الآن مع كونك حرًّا أو عبدًا أن كنت ترتضي لأهلك أن يبيتوا مع القتلة والفاجرات.. لم تعد الكلمات تجدي ولم يعد القلم يطيعني.
صرخت وا معتصماه فدوت صرخاتي في الشرق والغرب ولم تلامس بني وطني... عندما تقف لفترات طويلة لا تعرف كيف تبدأ حديثك.. عندما يعجز اللسان عن الوصف وتقف العقول لحظات عن التفكير أمام ذلك الصمود, أيضًا لحظات عصيبة عندما تبحث كثيرًا في بحور اللغة عن ألفاظ تصف بها جهالة القوم أو حماقتهم وخستهم عندما يفقدون الشرف. عندما يتجردون من الشعور الإنساني أو حس الضمير. كيف أصف كل من باع دينه ودنياه بدنيا غيره حتى يرضي أسياده من القتلة. ويثبت ولاءه للمجرمين لتكتمل دائرة الفساد والإفساد والإجرام في كل مؤسسات الحكم الانقلابي من شرطة وعسكر ونيابة وقضاء وإعلام وبلطجية ومفوضين. لكني لا أصاب بالدهشة فهؤلاء من استحيى فرعون نساء أجدادهم وبات يضاجع محارمهم في غرف نومهم وأمام أعينهم ولم يكونوا ليحركوا ساكنًا. عاد الزمان ليبتلينا بأحفادهم من يجدون إرضاء سيدهم أهم لديهم من العفة والشرف ولو طلب نساءهم ما عارضوه ولا أحمرت وجوههم. سحقًا لخسة من الرجال يعبدون فرعونهم ويتباهون بعهر نسائهم... لحظات عصيبة عندما تصف هذا التضاد الكبير بين الصمود والرجولة عند البنات وبين الخسة والعهر عند حفدة من الجبناء. يظنون أنهم يحكمون الوطن.
لم تكن خسة هؤلاء وموت ضميرهم وحماقة تفكيرهم أمرًا يتوقعه أحد، فالغباء جند من جنود الله، يرتكبون حماقة بعد الأخرى وكأنهم يرفضون أن نراهم ولو لحظة في ثوب الرجال، غباء السيطرة والتملك ذلك الشعور بالوقاحة والجهل وكأنه يرى مصر الكبيرة أحد ممتلكاته يعبث فيها كيف يشاء. جهل فاق ما يتصوره الرجال. وحماقة لا يدركها عقل البشر. عندما تعتدي على بنات في الشارع.... ذلك أبو جهل مصر الآن على رأس حكمها. وإن كان الفارق كبيرًا. لقد امتنع أبو جهل عن اقتحام بيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة وظل واقفًا على الباب في أربعين رجلاً ينتظر خروجه من بيته حتى لا تقول العرب إن أبا الحكم بن هشام روع بنات محمد.... لا أبالي أن أقول إن مكانك هناك أن تجلس أمام أبي جهل لعلك تتعلم منه فلم تعد لتعيش بين بني البشر.. وتظهر لنا الأيام أن هناك من هو أشد جهلاً من أبي جهل. والله لقد صرخ المعتصم من فُجر أفعالكم. ولكن أين الرجال؟.
عندما يفقد الرجل الشرف. أيها القاضي.. يا قاضي الأرض، يا من تحكم بين الناس.. عندما لا تستطيع أن تطأطئ رأسك خجلاً من موقفك أمام بنات في عمر العشرين من أعمارهن يبتن بين الساقطات والعاهرات والقتلة. إن كنت تظن أن خلافك مع رؤيتهن أو مطالبهن يدعوك لسجنهن فاعلم أن الجبن هو ما يدعك في هذا المكان والخوف الذي امتلك قلبك. إن فقدت إحساس الرجال ونظرت لتبسم الصمود في وجوه البنات.. أيها القاضي. لن أسالك كيف لم تتفهم الموقف لأني أعلم أن الحقد والكره قد أعمى قلبك وألبسك ثوب العار لأن تقضي على الأحرار بأعوام السجن فالفارق كبير بينهن وبين ابنتك في البيت. فالعاهرة تود لو أن كل نساء العالم مثلها. أم أنك لم تنظر إلى المرأة بعد سجنهن كم من القبح في وجهك. كم من السواد بين عينيك..
نظرات الرجولة والفخار نوجهها مع ابتسامات حرائرنا في الأزهر. إلى أنصاف الأقلام من صدعوا رؤوسنا بالحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة لا أسال أين هم. وأتكبر بصمود بناتنا أن أسال عنهن فانا من أنا. من أدافع عنهن. لا يجوز لي عندما اصطف في صفهن أن أسال عن ذوي العار الذين لا يتفهمون قضيتهن. هؤلاء المرجفين من إعلام الضلال والعار وحانات حقوق الإنسان ودور العري السياسية التي ظننا يومًا أنها أحزاب ليبرالية أو يسارية تدعي الحرية وتنادي بالديمقراطية في مصر دون تفرقة في لون أو جنس أو دين أو معتقد سياسي أو طبقة اجتماعية. فقدوا أبسط مبادئ الإنسانية واختاروا أن يكونوا عبيدًا تحت بيادة الانقلاب؟! وإلى أنصاف الجنود في الميادين من قبضوا عليهم. زبانية الانقلاب من ساروا على نهج حمزة البسيوني. نحن لا نصرخ أبدًا أمام سياطكم أو حتى أسلحتكم. حقارتكم لن تمكنكم من فهم ابتسامات بناتنا في حبسهن... هن صبرًا وإباء حبستهن أيديكم حفيدات خديجة وعائشة وفاطمة الزهراء وسمية والخنساء. صبرًا فأنتنّ تكملنّ مسيره زينب الغزالي وحميدة قطب وأم نضال. صبرًا فالتاريخ يتوقف عندكن.
رسالة من ابنتي إلى العالم....
(لا تطلقوا علينا كلمة أبطال فنحن لا نستحقها. بل أنتم الأبطال لأنكم تواجهون البطش والطغيان وأنكم صامدون مستمرون في تحقيق هدفكم رغم ما تلاقونه يوميًّا من اضطهاد وتعذيب وعنف تصبرون عليه. أما نحن في خلوة واعتكاف مَنّ الله به علينا. الجهاد سبيلنا).
كنت أظنك ابنتي تبحثين على عروستك قبل أن تذهبي إلى نومك. أو أنك تبكين لأنك لم تؤد واجباتك المدرسية خوفًا من أستاذك. كنت أظنك وأنت في سجنك تبحثين عن غرفتك لتعدي فستانك أو ملابس مدرستك.. تنادين على السجان ليحضر لك كراساتك وأقلامك. تنادي الحراس ببكائك خوفًا من ظلام زنزانتك. كنت أظنك تبكين لفراق والدك. أو تصرخين تنادين والدتك. لم تنشغلي بإعداد أشيائك قبل ذهابك للجامعة مثل أقرانك ولم تهتمي بإعداد حقيبتك الصغيرة وأوراقك. ثمة أمر آخر أهم لديك من أن تفكري في حياتك كفتاة وهذا ما لم يفهمه سجانوك..
أي هذا الصمود ابنتي كيف لك أن تدافعين عن كرامة الشعب. عن العزة وعن الشرف عن رجال في الطرقات لا يدركن أين حريتهم. أي هذا الإباء الذي ينطق من وجوهكن في محبسكن. إنها ليست أحداثًا تصنع تاريخنا ولا مواقف تكتب في كتب الشرف. لقد ذهبتم إلى ما هو أبعد. إلى الأحرار في العالم شاهدوا بناتنا.. نحن من نعلم العالم العزة والشرف.. انظروا إلى من يرتدين الأبيض كيف لهن أن يقفن أمام آلة العسكر ومع إدراكهن أن أحدًا لا يحرك ساكنًا إلا أنهن يمضين لسجنهن..
أنادي حقارتكم بما ذكركم به شيخنا الجليل...
قل للذي جعل الكنانة كلها --- سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
يا أيها المغرور في سلطانه--- أمن النار خلقت أم من طينِ؟!
يا من أسأت لكل من قد أحسنوا --- لك دائنين فكنت شر مدينِ
يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا–-- والذئب لم يك ساعة بأمينِ
يا من زرعتَ الشر لن تجني نعومها.. سوى شر وحقد في الصدور دفينِ
سيزول حكمك يا ظلوم كما –-- انقضت دول أولات عساكر وحصونِ
ستهب عاصفة تدك بناءه --- دكاً..
انتظروا.......
النصر قادم... من زنزانتكم...
(والله من ورائهم محيط).
م. محمود إبراهيم صديق
عندما صرخ المعتصم...لحرائر الأزهر 1320