106 مصريين قتلوا في يوم واحد ولم نسمع لا حسًّ ولا خبرً من أحد!.. حتى ولو كانوا خونة أو إرهابيين كانت شواهد المذبحة حاضرة بقوة قبل ساعات من بدء الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، فقد تم نصب مدافع جرينوف في العديد من المناطق الحيوية بالقاهرة والمحافظات وعلى أسطح سيارات ومدرعات الشرطة، بخلاف تأكيد وزير الداخلية أنه أمر بنشر أسلحة ثقيلة وتهديداته للمتظاهرين بلغة غير معتادة في هذا اليوم قائلا "اللي عايز يجرّب (يقصد يجرب القتل).. ييجي"!!.
ولهذا ما أن تحرك الثوار في صبيحة هذا اليوم في عدة مناطق بالقاهرة والمحافظات في جحافل بشرية قدرت بمئات الالاف وفق مصادر إعلامية وصحفية محايدة، حتى تحركت المدرعات والسيارات والطائرات التابعة للشرطة والجيش معا لتصب نارها الثقيلة على المتظاهرين وتحصد أرواح الشهداء، ويسقط في أقل من عشر ساعات أكثر من 100 شهيد اخترق الرصاص الحي المنطلق من مدافع الجرينوف الغزيرة الطلقات رؤوسهم وصدروهم فسقطوا يلعنون الظلم والبطش الذي يتصيد المتظاهرين السلميين منذ انقلاب 3 يوليو.
107 شهداء في يوم واحد
وزارة صحة الانقلاب اكتفت بالقول أن الشهداء 49 فقط، ولم تكلف نفسها البحث عن آخرين بعدما تبين أن قوات خاصة تخطف جثثًا ومصابين من المستشفيات.. ما دعا الدكتورة منى مينا لمطالبة المستشفيات والاطباء بعدم تسليم أو الإبلاغ عن الضحايا وعلاجهم لأسباب إنسانية.
ومدير الطب الشرعي قال إن جثث شهداء المذبحة التي وصلت للمشرحة في هذا اليوم بلغت 64 شهيدًا، ولكن الرصد الذي قام به موقع (ويكي ثورة) wikithawra التابع للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لتوثيق وقائع وأحداث ثورة 25 يناير، من منظور حقوقي محايد ودون أي انحيازات سياسية لأي طرف بلغ 89 قتيلاً في 6 محافظات مختلفة ذكرهم بالاسم ومكان الاستشهاد ومقر السكن.
وأشار "ويكي ثورة" إلى 17 شهيدًا آخرين تم ذكر أسمائهم ولكن لم يتم إدراجها بشكل رسمي ضمن الضحايا "إلى حين التوصل إلى معلومات كافية ومؤكدة مما تم التوصل إليه" بحسب قوله، وهو ما يعني أنه سقط في هذا اليوم فقط شهيدا 106 من الشباب المصري الطاهر بخلاف 2665 قتيلاً رصد نفس الموقع الحقوقي استشهادهم منذ الانقلاب في 3 يوليو وحتى 11 نوفمبر 2013، بخلاف أكثر من 200 آخرين في الفترة من 11 نوفمبر حتى 25 يناير، ليصل إجمالي الشهداء منذ الانقلاب قرابة 3000 شهيد!!.
ويؤكد عدد قتلى ذكرى الثورة تقرير حقوقي آخر لمؤسسة (الكرامة) أكد أنها وثّقت 101 حالة قتل خارج نطاق القانون، يومي 24 و25 يناير 2014 وقعت على أيدي قوات الجيش والشرطة خلال قمعها للمظاهرات المعارضة للنظام.
كانت أكثر المظاهرات سخونة وأكثرها سقوطا للضحايا الوفيات في مناطق المطرية والألف مسكن، وكلها إصابات بالجيرينوف أو الطيارات، وكان القصف يأتي من أسفل من المدرعات ومن أعلى من أسطح المنازل والطائرات الهليكوبتر، ونشر نشطاء فيديوهات تظهر قناصة بالطائرات تقصف المتظاهرين العزل إلا من الحجارة والشماريخ، حتى إنه لم تكن هناك جثة إلا وهي مشوهة وطال الرصاص الثقيل حوائط المباني واخترقها ليظهر حجم وقوة الرصاص المنطلق بغزارة على المتظاهرين.
وما أغاظ الانقلابيين هو عودة شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" بقوة لميادين الثورة مع بدء تسونامي الثورة والمظاهرات العارمة ضد الانقلاب واستعدادات القوى الثورية والاسلامية للموجة الثانية أو النسخة الثانية من ثورة 25 يناير مطالبين مرة أخرى بإسقاط النظام.
شهادات من نجوا
شهادات بعض من تعرضوا لهذه المحنة كانت محزنة، فالشاب Mohamed Badawi كتب عبر حسابه على فيس بوك ضمن الرسائل السريعة التي يبلغها الثوار لبعضهم البعض يقول: "احنا في ميدان الأوبرا (القاهرة) الضرب علينا من كل مكان.. مافيش رصاص عادي كله جرينوف.. الناس جنبي وقعت زي العصافير وطالب ذراعه طاير (قطع).. الآن المدرعات تجري وراءنا في الشوارع الجانبية وضرب من فوق العمارات.. اللهم ارزقنا الشهادة تحيا مصر".
أما أصدقاء الطفل (عمر هاني الزفتاوي) 15 عامًا، الذي تمت إصابته برصاصات مدفع الجرينوف وهو يرفع يده بعلامة رابعة العدوية في مسيرة بمدينة نصر شرق القاهرة ونتج عنها قطع نصف كف يده وتمزيق ركبته، ونشرت له صور دموية وهو على الارض يصرخ من الالم، فقد روى زملاؤه على فيس بوك أنهم عندما ذهبوا ليزوروه "كي يثبتوه في المستشفى هو اللي ثبتهم وحكا لهم قصة سيدنا جعفر وقال لهم إن" ربنا هيبدله جناحين في الجنة"، فخرجوا يقولون: هذه ليست عقلية ولد في أولى ثانوي وإنما راجل في أولى ثانوي".
كذلك روى زملاء المصور الشهيد مصطفي الدوح وأخواته ما حدث له وهو يصور اعتداءات قوات الشرطة بالرصاص والجرينوف من فوق المدرعات على المتظاهرين، مؤكدين –بالفيديو الذي صوره قبل أن يقتنصه قناص برصاصه في الرأس وتسقط كاميراته على الأرض– أنه كان يصور عمليات القتل المستمرة وسقوط الشهداء بالرصاص الحي ولا يقدر على إخراج رأسه كثيرا بسبب غزارة الرصاص، ولكن أحد القناصة -الذين لديهم تعليمات بقنص المصورين وأي شخص يصور الفعاليات بالموبيل أو التابلت أو الكاميرا– ترصّده ثم أطلق عليه رصاصة ليخر شهيدا على الفور أثناء تصويره لإطلاق الشرطة والجيش الرصاص الحي على المتظاهرين.
وكان المستشفى الميداني بالألف مسكن يعلن عن حاجته لأطباء جراحين من كل التخصصات وأدوية ومسلتزمات طبية بصورة عاجلة، ويعلن أن عدد الشهداء يرتفع كل دقيقة وأن قوات الامن أطفأت أنوار الشوارع للضرب بالقناصة فوق العمارات.
وقد روج شباب من منطقة المطرية شمال القاهرة أنباء غير مؤكدة وتواتر لشهود عيان عن ظهور لقوات خاصة ترتدي ملابس سوداء قالوا إنهم من البلاك ووتر Blackwater في المطرية وألف مسكن والتابعة لشركة أمنية أمريكية متخصصة في التعامل العنيف مع المتظاهرين وكانت سببًا رئيسيًا في قتل آلاف العراقيين أثناء الاحتلال الأمريكي.
وكتب أحدهم يقول: "أقسم بالله أقسم بالله.. مع الأمن قوات غير مصرية تهاجمنا.. وجوه غير مصرية.. ولابسين مدني وقوة بدنية مفرطة ومحترفين جدا.. أنا شفتهم ولحد دلوقتي مش مصدق".
بيد أن آخرين نشروا صورًا لهذه القوات الخاصة تضع شعار فرقة سوات (SWAT) الأمريكية الشهيرة على صدرها والمخصصة لمواجهة الطوارئ والازمات الضخمة التي تعجز الشرطة وحتى الجيش الأمريكي عن حلها، وهي من أشرس فرقة قوات خاصة للفتك والتدخل السريع ولكنهم بعثوا بها لمواجهة متظاهرين عزل لإبادتهم تماما ومنعهم من التقدم بهذه الأعداد الضخمة باتجاه منطقة القصر الجمهوري بالاتحادية التي كان يرقص فيها مؤيدو الانقلاب وداعموه!.
هدايا للمؤيدين
بالمقابل وكما حدث قبل مجازر رابعة والنهضة، وزعت قوات الجيش هدايا على المؤيدين للانقلاب في ميدان التحرير، فيما كان الرصاص من نصيب المعارضين، وفي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير قامت الطائرات الحربية بتوزيع كوبونات جوائز على المؤيدين الذين خرجوا لتأييد النظام الحالي والفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع بالاحتفال والرقص في الشوارع والميادين وسط تأمين ومشاركة أمنية ورسمية، فيما تم فض وملاحقة المسيرات والتظاهرات المعارضة للنظام التي خرجت لإحياء مطالب الثورة
محمد جمال عرفة
مذبحة (الجرينوف) في الذكري الثالثة لثورة 25 يناير! 1402