في اليمن فقط وعبـر فترات تأريخه الحديث والمعاصر يحتـدم الصراع بين القـوى التقليدية الموالية والممولة إقليمياً وخارجياً لتقـود حرباً بالوكالة على حساب وجود الدولة المنضوية في فلك الحياد تارة وسياسية المتفرج تارة أُخرى فمنذُ قيام النظام الجمهـوري على إنقـاض القـوى الملكية القبلية منها المذهبية وفي حين التقت هذه القوى على مساحة واحدة وحملت البُندقية ضد القوى التقدمية ومشـروعها المدني الجمهوري في حرب السبعين يوماً وحصار العاصمة صنعاء التي كادت أن تسقطها لولا صمود واستبسـال قوى التحرر والمشروع الحضـاري من أبنا اليمن النُجباء أمام المشروع الرجعي المضاد وعمقه الاستراتيجي المعادي القابع خلف الحدود الشمالية للوطن, ممثلاً بالجارة الشمالية الكُبـرى وآلها وجدت هذه القوى نفسها الأمارة بالعودة إلى الخلف أنه لا مجال للعب بالنار والمساومة على التخلف كعُرف قبلي وعادة إمامية وأن التغييـر أصبح أمر واقع, خصوصاً وأنه يمتلك الإرادة الشعبية الجماهيـرية وقيادة وطنية وسِمة كعنوان للتحدي وبديل وطني لنظام السيـد والشيـخ بطلائع " الضباط الأحـرار " هنا أيقنت القـوى الرجعية ومعها الشقيقة الشماليـة أنه لا بد من الاعتراف بالحقيقة وأمرها الواقـع مع عدم التسليم بهما كحالة دائمة ونظـام, فراغت كعادتها إلى المكر والخديعة وتحولت لأمر في نفسها ومرحلة تتوكأ عليها لمآرب أخرى إلى قوى تدعي النضال والثورة, ومع الأسف وجدت لنفسها مكان بل من المؤسف أنها تصدرت إلى حدٍ ما مراكــز قيادية في النظـام الجمهوري ولم تتـوانى لحظة في الانقضاض على رموز الثـورة الحقيقيين وتنفيذ عمليات الاغتيـال والإخفاء القصري والتسريح الوظيفـي والنفـي السياسي لكل من يعارض سياستها حتى تمكنت عبثاً من السيطرة على كل مفاصل الدولة المدنية والأمنية والعسكرية, وهنا وبدعم وتأمر إقليمي تمكنت هذه القوى التقليدية من حكم اليمن بالنظام الجمهوري شكلاً والملكي وظل القبيلة مضمونـاً وبذا أفرغت الدولة من وجودها السياسي وكيانها القانوني والسيادي حتى كانت حركة 13 من يونيه التصحيحية 1974م والتي جاءت بذات المشروع التحرري الوطني وعادت القوى التقليدية إلى جحورها مجبرة إلا أن هذه القوى المدمنة على الصراع والمروضة على الخيانة والتآمر والمجبولة على امتلاك السلطة وإلـزام الشعب اليمني الاعتراف بأحقيتهـا في الحكم والجهل والتخلف معاً ما فتئ شخوصها العدم أن نفـذوا مؤامرتهم بتوجيه وتخطيط ورعاية من أسيادهم أصحاب القصور الملكية وعاد السيد بعمامة جمهورية والشيخ بعسيب وطني, وعلى هذا النمط السياسي ظل اليمن يُحكم حيث تجسدت الصورة بقــوة على مدى الـ 33 سنة الماضية أفرغت كل مؤسسات الدولة من الكوادر والعقول القادرة على ترسيخ الثقافة المدنية وبناء الدولة الحديثة, على أسس مجتمعية وقانونية يؤمن بها الجميع وكرست توظيف المناطقية والحزبية, فكانت الدولة عبارة عن شركة تديرها القبيلـة ممثلة بكلاً من مرجعية السيد وعسكرية الشيخ ولأن المصالح الخاصة هي وليس الوطن هو القاسم المشترك لهما التقت قوى الصراع في حرب 94م تحت شعار " الغنمية " وتقويض شكل الدولة وفعلها المدني في المحافظات الجنوبية وهما معاً أيضاً من أضعف المؤسستين الأمنية العسكرية بتغذيتهما بالفيروسات والسرطانات المذهبية والقبلية والحزبية الموالية لهما في صراعمها الحالي اثنينهمــا يدعون الدفاع عن الحق الإلهي ويوزعون صكوك الغفران ومفاتيـح الجنة, والحقيقة لمن يعيهـا أن الحروب الماضية بين قوى الصراع الحالي كانت تُدار وتمول بأموال الشعب ودماء أبنـائه في مناطق التماس الميداني بينما السيد والشيخ يحكما في صنعـاء ويلتقيـان على مائدة الزعيم وفي مجلس مقيلـه الرئاسـي لتقييم المرحلة التالية من صراعيهمـا كما إنهما التقيـا صوتاً في ساحة الجامعة في ثــورة شبابية ضد طرف الصراع الثالث ومؤسس ثقافته التدميرية للوطن وأفلحا بدعم إقليمي ودولي في إسقاطه كفرد غير مأسوف عليه وعلى طاولة الاستحقاقات المادية اليومية في "موفمبيــك" التقت هذه القوى للتمحور صُياح ونُبـاح وأخيراً بصم على الأوراق, بيمنا كانتـا تغذي الصراع في الميدان وتستورد أدوات الموت وتصدره للشعب جثامين معلبـة بالأعـلام ومغطاة بألوان بالمكر والخديعة والتآمر والعبث بحرية وأمن المواطن وتقويض السلم المجتمعي والسيـادة الوطنية وها هي ذات القوى تلتقي اليوم كاشفة عــورة الحكومة التوافقية الممثلة بهما دون الشعب كل تُبرهـن أن لا دولة بدون سطلة مرجعية السيد ودسمال الشيخ..
هي اليوم نفسها قوى الصراع تلتقـي في حرب تصفيات حسابات خاســرة يدفع ثمنهـا أبناء الشعب على حساب حريتهم وأمنهم والوطن على حساب سيادته ووحدته, وكل من طـرفي الصراع يستخدم أموال الدولة وأسلحة المؤسسة الأمنية والعسكرية بل وأفرادهـا المجبرون على تنفيذ أوامر القــادة المواليـن لهذا الطرف أو ذاك وهنا يتـأكد لكل أبنـاء الوطن الشـرفاء أن لا وجود لما يُسمـى بالدولة الوطنية ذات السيادة على الأرض والقرار السياسي بل هنـاك شخوص يحملون صفات رسمية شكلية مهمتهم أن تطلب الأمر تكليف أخرين للقيـام بـ "وسـاطة " لحل النزاع وتهدئة الصراع بين القـوى التقليدية المسيطرة على كل مفاصل الدولة والمتحكمة بموارد وثروات الشعب لإدارة صراعها المزمن وتصدير نتـائجه السلبية إلى كل قــرى ومحافظات الوطن لكي تعم الفوضى على الجميع وينعــم الكل بالتخلف والدمار وعدم الاستقـرار . وهنا يستوجب القول أن " الدولة بين فكي السيـد والشيخ " نعـــم..
علي السورقي – شيفيلد المملكة المتحدة
الدولة بين فكي السيد والشيخ 2328