قدمنا في مقالين سابقين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توحيد اليمن، كقطر واحد متوحد متناسق مع تقسيم الجزيرة العربية لأربعة أقطار متماسكة،(اليمن الحجاز نجد البحرين) المنطقة الشرقية في السعودية حاليا وكانت تسمى هجر أيضا، بعد أن كانت دويلات طوائف متفرقة لا تعدو الدولة في الجزيرة عن فخذ كل قبيلة وحد مرمى حجر، فجمع الإسلام شتاتها فصارت أربعة أقطار مترابطة موحدة تخضع لعاصمة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، لكن كل قطر وزع لأقاليم داخلية في حكم إداري محلي يعتني برفع مستوى سكانه علمياً واقتصادياً وصحياً وتنموياً، تحت وحدة إدارية لقطر اليمن الذي يمثل جنوب الجزيرة الممتد شمالاً من حدود اليمامة في نجد وهي ما تعرف اليوم بالمنطقة الوسطى في المملكة السعودية خارجا منها الفلج (الافلاج اليوم) والدواسر, كونها كانت تتبع مخلاف نجران إلى البحر العربي جنوبا، ومن البحر الأحمر غربا إلى حدود بحر عمان ومنها ظفار وسيحوت، وكل الربع الخالي جنوب يبرين تحت عاصمة قطرية يتبعها كل أقاليم اليمن السبعة، وهي مدينة الجند التي يديرها أمير الرسول صلى الله عليه وسلم على كل أقاليم قطر اليمن الواحد معاذ بن جبل رضي الله عنه، والذي كان يمر على كل الأقاليم اليمنية في كل ثلاثة شهر..
فالخطر ليس في تقسيم الأقاليم، لكن نقدنا هنا للخطر الذي يهدد اليمن كقطر واحد في وثيقة ابن عمر الذي جاء بها لتقسيم اليمن إلى أقاليم، وهذه الوثيقة الشعب اليمني يتهم فيها دول الجوار التي يؤلمها وحدة اليمن السياسي والاقتصادي والبشري والقطري، لأنه ينتج عنه قوة اقتصادية وبشرية وعمرانية وأمنية، وذلك لا يرضيها ويقض مضجعها، وهو كذلك يقض مضجع قوى استعمارية تحرص على تكوين كيانات هزيلة تظل مرتبطة بها تحقق مصالحها في أراضيها دون قدرة على مقامتها، فانظر إلى وثيقة ابن عمر المشرعنة لتمزيق اليمن الواحد وفي نصوصها المكر الظاهر الذي لا يخفى على من في قلبه مثقال ذرة حبا لليمن أو حبا للدين أو لمصالح الشعب اليمني، فقد احتوت على العدوان على الشريعة التي كل يمني يغار عليها ويدافع عنها، وعلى نصوص تقود للتمزيق الكامل، وإلا ما معنى الجمع بين الحكم المحلي لكل إقليم والمساواة بنسبة خمسين في المائة بين الشمال والجنوب في تكوين الدولة السياسة..
ماذا يعني هذا التقسيم الخبيث غير استمرار الشعور بالانتماء الانفصالي؟ نحن مع تقسيم إداري مفيد ونفضل التقسيم على المحافظات، لأنه كلما ضاق الإقليم توسعت الخدمات وارتفعت مستوى التنمية البشرية والحضارية، ونحن مع توسعة الحكم المحلي لكل أهل محافظة في الحكم المحلي، لكن تحت مظلة وخيمة واحدة تجمعنا وفق دستور ونظام آمن لليمن، وكل إقليم يدير نفسه في البناء التنموي والعمراني بشريا وحضاريا بنظام داخلي منبثق عن دستور اليمن الواحد، ولسنا مع تعميق الشعور بالانفصال والمناطقية والطائفية، التي تجعل اليمن مهددا بالتمزيق، إن تشكيل دولة الوحدة المركزية في اليمن يتم وفق كفاءات يمنية ينص عليها الدستور ضمن آلية انتخابية لأعضاء مجلس نواب منتخب، بعيدا عن التزوير مرتفعا عن مستوى مجرد القراءة والكتابة، بل يكون متخصصا في مستواه العلمي أكاديميا قادرا على العطاء والتطوير، ويمكن أن تكون لكل إقليم حصة بحسب مستواه العددي يمثل في الدولة ينتخبهم إقليمهم ليكونوا شركاء في السلطة التنفيذية، ويكون الرئيس منتخبا من كل أبناء اليمن وله سلطات محددة في الدستور ومجلس النواب يرشح رئيس مجلس الوزراء على الكفاءة بغض النظر عن مستوى إقليمه، إن الحفاظ على وحدة اليمن واجب شرعي ووطني وعلى أعضاء لجنة الحوار أن تكون مخرجاتهم وطنية وترفض هذه الوثيقة التي تريد أن تفرض علينا وصاية خارجية من دول الجوار إقليميا ودوليا، وتفرض علينا الولاية لهم، نحن لسنا أيتاما ولا قصارا، بل قد بلغنا الرشد فعلى شعبنا اليمني كله في كل محفظاته الثورة على هذه الوثيقة، وثيقة الذل والعار، ونحن نضع أيدينا بيد من امتنع عن التوقيع عليها وندعو من وقع عليها لشطب توقيعه وإعلانه عدم القبول بها وإلا فإن التاريخ سيلعن كل من سعى لتمزيق اليمن، ومن لعنه التاريخ لعنه الله.
د. عبد الله بجاش الحميري
الأقاليم اليمنية (3- 3) 1401