لا يفهم من جريمة اغتيال الدبلوماسي الإيراني علي أصغر أسدي الملحق الاقتصادي بسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في صنعاء، برصاص سته مسلحين بمنطقة حدة، يوم السبت الموافق 18 يناير الجاري بعد فشلهم في اختطافه، والتي تحمل نفس بصمات جرائم "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب "، في وقت مازال الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نيكبخت مختطَفا منذُ عدة أشهر في اليمن، إلا إصرار الجماعات الإرهابية المسلحة، وتنظيم (القاعدة ) على تنفيذ أهدافه المعروفة التي ينتهجها منذُ تأسيسه في 2009م للنيل من الدولة اليمنية، والشعب اليمني، وهز علاقته الدبلوماسية مع الدول والشعوب الإسلامية، ولإثارة التوتر هذه المرة في العلاقات اليمنية الإيرانية بعد أن تهيأت المناخات في الفترة القليلة الماضية لإمكانية إزالة التصدعات التي طرأت على العلاقة بينهما بسبب اتهامات كانت قد وجهت في وقت سابق لإيران بدعمها للحوثيين، ولعلي سالم البيض المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، إلى جانب سعي التنظيم لتحقيق أهداف أخرى مرتبطة بنتائج ارتكاب جرائم قتل الدبلوماسيين الإسلاميين، من ضمنها تعميق الخلافات الدينية بين المذاهب والطوائف الدينية، في بلادنا، وبالتحديد السلفيين والحوثيين، وتعكير الأجواء ونتائج الصلح، والاتفاق الذي توصلاً إليه قبل أيام لوقف الحرب بينهما في دماج، وخروج السلفيين من كتاف ودماج إلى بقية المحافظات.
كان التنظيم قد حاول حشر نفسه للدخول على خط المواجهات والمعركة أثناء تفجرها بين الحوثيين والسلفيين في الربع الأخير من العام الماضي 2013م ممهداً بإرسال رسائل لتحقيق بعض أهدافه، تارةً بإصدار بيانات التعاطف، والتضامن، وطلب توحيد الهدف ضد الحوثيين، وتارةً بارتكاب جرائم الاغتيالات، حيث لا يستبعد وقوفه خلف جريمة اغتيال البرلماني وعضو الحوار الوطني الدكتور عبدالكريم جدبان المحسوب على انصار الله في 22 نوفمبر 2013 م برصاص مسلحين مجهولين في العاصمة صنعاء، وذلك لكسب ود السلفيين وطمأنتهم واستمالتهم للرضاء عليهم، وتعميق الحقد والخلاف والصراع بين الحوثيين والسلفيين في دماج، إلا أن تلك المحاولات باتت بالفشل، لتأتي جريمة اغتيال الدبلوماسي الإيراني أصغر أسدي ليدشن بها تنظيم (القاعدة) مسلسل الاغتيالات في العام الجديد كعادته لتحقيق ما يصبوا إليه لإثارة الخلافات بين الدولتين اليمنية والإيرانية، وتواصلاً لنهجه في زرع بذرة الفتنه بين الشعوب والدول الإسلامية لتضاف هذه الجريمة لرصيده السابق من الجرائم التي ارتكبها (جريمة اختطاف نائب القنصل السعودي في عدن عبدالله الخالدي الذي اختطف في 28 أذار/مارس 2012م في عدن وجريمة اغتيال حارس السفارة الألمانية في 6 أكتوبر 2013م بصنعاء أثناء مهاجمة عناصر إرهابية السفيرة الألمانية السيدة كارولا مولر هولتكيمبر التي نجت من محاولة الاختطاف بينما قتل الموظف الألماني حارس السفارة ، وجريمة إصابة الدبلوماسي الياباني خلال محاولة اختطافه في العاصمة اليمنية، صنعاء في 15 ديسمبر 2013م حين اعترضوا مسلحين على متن سيارة مركبة الدبلوماسي في منطقة حدة"، جنوب صنعاء، ليبدو الأمر كحادث سير، وحاولوا اختطافه، إلا أنه قاوم ونجح في الإفلات)0، لترسم بهذه الجرائم صورة جديدة اكثر تشوهاً لسمعة اليمن في الخارج من جهة وللعودة بإحياء الصراع المذهبي المسلح من جديد بين المتحاربين بالأمس (الحوثيين والسلفيين )، وإجهاض الاتفاق الذي وقع يوم الجمعة الموافق 10 يناير 2014م الذي أوقف الحرب بعد مرور نحو (90) يوم على تفجرها في دماج، وسقط فيها المئات من القتلى والجرحى في دماج، وهدمت المنشئات السكنية والمدارس في حرب شرسة بين الحوثي، والسلفيين دارات رحاها في كتاف ودماج نهاية العام الماضي 2013م تؤكد الإحصائيات من مصادر مستقلة أن عدد سقوط القتلى يصل نحو الفي قتيل وجريح من الحوثيين والسلفيين ورجال القبائل والمناصرين للطرفين المتحاربين .
ارتكاب التنظيم جريمة اغتيال الدبلوماسي الإيراني أصغر أسدي في هذا التوقيت بالتحديد له خفاياه، وخطورته وتداعياته على الوضع في اليمن، خصوصاً انه تزامن مع نهاية جلسات الحوار المقرر اختتامه الأسبوع القادم في 25 يناير الجاري، والتي تلقي بأثارها السلبية على نتائجه ومخرجاته المتوقعة، وخلط الأوراق على المتحاورين، وإثارة التوتر في العلاقات بين اليمن وايران ، بعد أن استدعت يوم السبت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بأعمال السفارة اليمنية بطهران، وتم إبلاغه احتجاج طهران الشديد على مقتل أحد دبلوماسيها في صنعاء، وتنبيه القائم بالأعمال اليمني بمسؤولية الحكومة المضيفة في تأمين سلامة الدبلوماسيين المقيمين على أراضيها، وفق الأعراف والقوانين الدولية. ,وتأكيدها على ضرورة أن تتخذ صنعاء خطوات سريعة لاسيما ما يرتبط بالجوانب السياسية، والأمنية لمتابعة الضالعين في هذا العمل الإرهابي، ومقاضاتهم فوراً. لذا فانه من غير المستبعد أن تدخل تداعيات الحادث البلدين في أزمة جديدة وهما في غنى عنها، كما انه سيقلل من النجاحات المرتقبة بإنهاء الحوار ، ونجاحه في اليمن، وطي فصل مأساوي مليء بالجراح والألم عاشه الشعب اليمني، وسيضعف ويحد من الفرص المتاحة للخروج بالحلول للقضايا التي طرحت في جدول أعمال المؤتمر لمعالجتها، وفتح صفحة ومرحلة جديدة لكافة أبناء الوطن، وتأسيس الدولة الاتحادية المرتقبة، الحاضنة لكل اليمنيين، والخروج بالمخرج الآمن لمعالجة مشكلاتهم، وكل قضاياهم على أسس سليمة، ونوايا صادقة تؤمن إحلال السلام في إقامة العدل، والمساواة بينهم شمالاً وجنوباً، وفق رؤية موحدة لخلاصة الأفكار، والرؤى والحلول التي توصلوا إليها خلال انعقاد جلسات الحوار.
لعل بروز مؤشرات قرب تحقيق هذه الآمال والأحلام والأهداف الذي تعاضد اليمنيين، ودول الإقليم والمجتمع الدولي من أجل الوصول إليها بتوحيد الهدف لدى الجميع بالشروع لتأسيس الدولة الاتحادية خلال المرحلة الانتقالية القادمة، كإحدى الشروط، والعوامل المصيرية لحل مجمل القضايا المرحلة منذُ 1962م إلى يومنا هذا، شكل مصدر قلق وتهديد "لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" الذي لا يروق له استقرار، وأوضاع الدول الإسلامية وحال شعوبها، واستقرار ها السياسي، والسعي لإبقاء الوضع اليمني في اضطراب متواصل سياسياً، وامنياً واقتصادياً واجتماعياً لتستمر هشاشة الدولة، والانفلات الأمني، والضعف والتهاوي في أجهزتها ومؤسساتها التي تجد في استمراره الأمان للتمدد، والتوغل في نسيج المجتمع ، ومفاصل ما تبقى من الدولة لما يفرزه له هذا الوضع من عوامل مساعدة لتحقيق أهدافه التدميرية لمقدرات الشعب اليمني، وتمزيق علاقته مع بقية الشعوب الإسلامية، والغربية بضرب مصالحها، وكبح أي محاولات لوقف تمدده، وانتشار خطره الذي اصبح عائقاً أمام التنمية والازدهار .
الأمر الذي جعل التنظيم يسعى دوماً لارتكاب جرائمه لتحقيق غاياته، ومطامعه لتمزيق، وحدة النسيج المجتمعي، ومنع التعايش بين المذاهب الدينية، والقبول بالآخر، وزرع الفتن والصراعات، والاختلافات بين الدول المسلمة من جنب وبين الدول المسلمة، والأجنبية من جانب آخر، وتشويه سمعة البلدان التي يتواجد فيها عناصره، وفي مقدمتها اليمن الذي لحق بسمعته الضرر الأكبر بين الشعوب، والدول الإسلامية ودول الخارج ، ولحق بأبنائه المقيمين فيها الأذى الأعظم ليطال حياتهم، وأرواحهم، التي باتت في خطر مستمر، وإشعال الفتن بين الشعوب، والإساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف الذي يحرم ارتكاب هذه الجرائم ، وتبني هذه الأفكار والأعمال التي تستهدف ضرب قيّمنا الإسلامية، وإجهاض مساع توحد المسلمين، كما يلزمنا ديننا الإسلامي الحنيف لتجسيدها وترسيخها بين شعوب الدول الإسلامية، والعمل بقوله الله سبحانه وتعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [93] النساء0 وقوله تعالى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (68) الفرقان0
لاشك أن ما يحصل من محاولات لزرع الفتنة والصراعات بين الشعوب والدول الإسلامية يقوم بها "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" باتت محاولات مفضوحة من قبله لحكومات وشعوب تلك الدول، والتي قد تتفهم لهذا الوضع، وتداعياته المترتبة عن ارتكاب التنظيمات الإرهابية لجرائم الاغتيالات لدبلوماسيتها، والتي كان آخرها جريمة اغتيال الدبلوماسي الإيراني بصنعاء، إلا أن هناك خشيه من عدم استمرار هذا التفهم، لتتجه لاتخاذ ما تراه من إجراءات مناسبة لحفظ ماء الوجه أمام شعوبها بعد أن طفح الكيل بها، ووضعتها هذه الجرائم بين فكي كماشة التفهم لوضع اليمن، وكماشة واجبها السياسي للحفاظ على أرواح دبلوماسيها في الخارج، وعدم التخلي عنهم، وما الإجراءات التي شرعت بتنفيذها ايران باستدعاء سفيرها إلا إشارة إنذار لليمن ينبغي الاتعاظ منها، لا تتخذ خطوات ملموسة للحد من هذه التداعيات السلبية لجرائم الاختطافات، والاغتيالات للدبلوماسيين الأجانب التي يقوم بها تنظيم القاعدة، والبحث عن آلية جديدة فاعلة لاحتواء هذا الخطر ،والتقليل من أثار مخاطر وتداعيات جرائمه، وعدم التعويل على استمرار الشفقة الإنسانية التي اصبح المجتمع الإسلامي، والدولي يتعامل بها مع اليمن، لكن عندما تتضرر مصالحهم وتستهدف أرواح مواطنيهم سيجدون انفسهم أمام شعوبهم مطالبين بمواقف حازمه، وهذا بالطبع يتطلب من الجميع ليس اليمن فقط بل دول الإقليم والمجتمع الدولي، والبحث والتدقيق في هذه المعادلة الصعبة والصبر والتّحمل ومشاطرة اليمنيين هذه الأخطار ومواجعه، باعتبار أن الإرهاب خطر عالمي لأدين، ولا وطن له يستهدف الجميع، وفي المقدمة اليمن، وشعبه الصابر المكافح، والاستمرار بمساندة اليمن بكل ما يعزز من قوة وتطوير أداء أجهزته الأمنية والدفاعية للتصدي للإرهاب واستئصال شافته وخطره المتنامي الذي اصبح يشكل التحدي والكابوس الأكبر على مستقبل اليمنيين، وحياة أبنائهم، وان يتخذ الجميع إجراءات وآليات تصون، وتحصن العلاقات الدبلوماسية بين الدول الإسلامية، وأن تفضح هذه الأهداف المدمرة التي ينتهجها "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" لضرب العلاقات التاريخية، وروابط الوحدة بين الدول الإسلامية..
نهى البدوي
اغتيال (أسدي )فتنة إرهابية جديدة 1326