في ليلة من ليالي القرن الرابع عشر كانت أوروبا على موعد مع التشظي والانقسام والانشطار والتفتت إلى كيانات دينية صغيرة بسبب أخطاء سياسية وقع فيها الباباوات, كان الباباو حنا الثالث والعشرون رجل حرب خاض أشد المعارك في سبيل سيطرة الكنيسة على مقاليد الحكم في أوروبا وخصوصاً حروبه مع مملكة نابلي أدت إلى انهيار ماليا في الإمبراطورية الرومانية فاستعان بالكنيسة من أجل حيازة المال عن طريق صكوك الغفران الذي أدى بدوره إلى انقسام الديانة المسيحية إلى ثلاث طوائف رئيسية ممثلة بالأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وما لا يحصى من الطوائف الصغيرة الفرعية، خصوصاً في داخل الكنائس البروتستانتية. طبعاً ثمة خلافات تاريخية وعقائدية وسياسية كثيرة عاشت الطوائف المسيحية في أوروبا صراعات طويلة فيما بينها، منذ أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي, مهما ادعت الخلافات أسبابا عقائدية، فإنها تظل في جوهرها خلافات سياسية تبعاً لخلاف مصالح الملوك والأمراء المتنافسين, ومن أول وأبرز هذه الخلافات: الانقسام الذي حدث بين الأرثوذكسية والكاثوليكية، حسب الانقسام الذي حدث في الإمبراطورية الرومانية، بين القسم الشرقي البيزنطي وعاصمته القسطنطينية(إسطنبول الحالية)، والقسم الغربي وعاصمته روما, وقد بلغ الصراع بين الطرفين، بحيث أن الحملات الصليبية الكاثوليكية قد هاجمت ونهبت وحرقت عاصمة الأرثوذكس، القسطنطينية، إلى درجة أنها ساعدت على انتصار الأتراك المسلمين وإسقاطها في القرن الخامس عشر. ثم تلى ذلك في القرن السادس عشر الانقسام بين البروتستان والكاثوليك، حسب الانقسام بين أوروبا الشمالية الإسكندنافية الجرمانية الإنكليزية(بروتستانتية)، وأوروبا الجنوبية اللاتينية(كاثوليكية). وكان هذا الانقسام هو الأعنف والأكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم اجمع. وقد تخللته حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف. هنا سرد مختصر لأشد هذه الحروب الطائفية، وهي ما اطلق عليه (حرب الثلاثين عام). وها هو التاريخ يعيد نفسه ، لكن ليس في أوروبا هذه المرة وليست الديانة المسيحية بل هي بلاد الإسلام وديانة المسلمين فقد تمركزت الفرق في الشرق الفارسي وفي الجنوب العربي ( السعودية ) أصبح لدينا ثلاث طوائف رئيسية متمثلة في التيارات الشيعية والعلمانية المتأسلمة والسلفية المتعصبة أدت إلى إحداث القلاقل في البلاد العربية طولا وعرضا ابتداءً بالجزائر مرورا بأفغانستان والعراق وها هي اليوم في داخل أوطان كانت أكثر استقرار على مدى العقود الأخيرة الماضية لم نكن نتوقع إحداث مثل هكذا انقسام لولا بروز أشباه علماء جعلوا من أنفسهم آلهة صغيرة تأمر وتنهي وتقتل وتنهب ليس لصالح الدين بل لصالح الحكام والملوك وتعمل لكسب مصالح دنيئة ليست من الدين في شيء وعقب الانقسام التي تشهده الدول الإسلامية فإني أخشى من قيام حرب كتلك التي أغرقت أوروبا طيلة ثلاثون عاما فمتى يستفاد من دروس التاريخ ؟.
محمد علي البارع
التاريخ يعيد نفسه 1198