اليمن من الأقطار التي تقوم أرضيتها على ثروات هائلة نفطية وزراعية وسمكية وحجرية وذهبية وأثرية، وبحيرات النفط يهمس بأنه يحتوي على احتياطي كبير بيد أن المتتبع لمعطيات أوضاعنا السياسية والاقتصادية والقبلية والمناطقية والحزبية وموقف بعض دول الجوار والدول الاستعمارية، يجد أن هذه الاكتشافات صارت نقمة علينا وذلك لأسباب أهمها وأقبحها الإدارة السياسية لليمن كله قبل الجمهورية وبعدها، فقبل قيام الجمهورية كان العهد الإمامي عهد مستبد ومتخلف وعدواني، ولما قامت الثورة استلمها منه عساكره حتى قال الأستاذ محسن الجبري رحمه الله (ديمة وخلفنا بابها) وصار حكماً جبرياً جعل القاضي الزبيري رحمه الله يقول (والحكم بالغصب رجعي نقاومه .. حتى ولو لبس الحكام ما لبسوا) حتى خلع اليمن آخر جندي من جنود الإمام في ثورة فبراير، وكانت سياسة الفريقين نشر التجويع للشعب وإفقاره حتى يظل تابعا للنظام، ومن سياستهم التي مارسوها أن تظل الثروات مدفونة لا يظهر منها إلا ما يمون سلطاتهم، واتفاقياتهم مع الشركات سرية وهي أن تدفع رصيدا محددا ولا يعرف كم ينتجون من النفط، أو ما يستخرجون من الثروات ومنذ أعلن دخولنا عالم الإنتاج النفطي في عهد المخلوع ضل ارتفاع الفقر والبطالة وهبوط العملة الاقتصادية يتدنى مع ميزانية كل عام تعلنه الدولة تسحب الميزانية كل عام كل ما في جيوب المواطن وظل الفقر والبطالة والجهل والمرض يتساقط علينا يوميا أغزر من قطر السماء، وانتشر الفقر في كل بيت بشؤم النفط الذي استولى عليه النظام المخلوع وعساكره، وتدني مستوى البنية التحتية التعليمية والصحية والعمرانية والتخطيطية والاقتصادية والأمنية وأصبح الناس مع شدة جوعهم وتعطلهم من البناء والعمل مصابون بهستيريا الحزبية يصفقون في الميادين (مالنا إلا علي) لعله يتحسن عليهم بالفتات، ولم يختلف الوضع الاستبدادي والسيطرة على مصادر دخل الثروة نفطيا وسمكيا وبريا وجويا عن عهد الإمام حيث أصبح كل شيء بيد القائد الذي سمي بالملهم مع أنه أمي في كل شيء إلا في القتل وسرقة ميزانية الدولة وحرمان الشعب حقوقه والاستيلاء على ثروة البلاد ومدخراتها وصادراتها والمعونات التي تصرف لها، وانحط اليمني داخليا وخارجيا، وأصبح غريبا داخل اليمن أكثر في غربته خارج اليمن فأخذا المواطن يجتاز الحدود لبلاد الجوار التي لا تألوا فينا إلا ولا ذمة مع مخاطرها بالتعريض للموت بقتل حرس الحدود المجاورة والمسئولون يفرحهم ذلك، لأنهم يأخذون دية كل مقتول أو منهوب أو من تنقلب بهم سيارات نقل المرحلين أو يحرقون في الصحارى لجيوبهم حتى أصبح اليمني لا بواكي له، وكأنه ينتمي إلى غير البشر وليس له في الكوكب الأرضي وجود ولا حقوق .
د. عبد الله بجاش الحميري
اكتشاف الثروات نعمة أو نقمة (1-2) 1393