ملاحظات عديدة على مشروع دستور الانقلاب تحتم مقاطعته وعدم المشاركة في دعوة أنصار الانقلاب للاستفتاء عليه، وذلك لغياب ضمانات الحياد للقائمين عليه من جهاز تنفيذي وشرطة وقضاء، ولوجود مآخذ عليه منها ما يخص الحريات وما يخص الوضع المميز للقوات المسلحة ووزير الدفاع.
ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وحرية الاعتقاد دون ضابط بما يسمح لوجود عقائد الملحدين، والالتزام باتفاقات دولية تبيح زواج الشواذ، وعدم وجود توافق على نصوص هذا المشروع حتى بين أعضاء لجنة الخمسين التي وضعته.
- حفل مشروع دستور الانقلاب بالعديد من النصوص التي تشير إلى عدم التمييز بين المصريين والتساوي في الحقوق والواجبات، وعدم القبض على أي شخص إلا بأمر قضائي، وحرمة المنازل وحرمة المكالمات الهاتفية.
وعدم المنع من مغادرة الدولة، وحق تنظيم المواكب والمتظاهرات والاجتماعات العامة، واستقلال الجامعات واستقلال القضاء، والتزام الشرطة باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وكل تلك الحقوق أهدرتها حكومة الانقلاب، في ممارساتها القمعية طوال ستة أشهر، ولعل المجازر التي تمت وأعداد المصابين والمعتقلين والمطاردين خير شاهد على طبيعة الحريات في عهد الانقلاب، ومازالت هناك أفضلية لتعيين أبناء القضاة في القضاء.
ومازال هناك اقتحام عنيف للبيوت وتدمير أو سرقة بعض محتوياتها، وتنصت على المكالمات الهاتفية، وعدم التزام الشرطة بالمرة بحقوق الإنسان بل يتم السحل للجميع نساء وصبية ورجال، فكيف تطلب الحكومة من الناس الموافقة على دستور لم تحترم هي نصوصه ولو يومًا واحدًا.
- كما تضمن دستور الانقلاب النص على ضمان تعبير الصحف ووسائل الإعلام المملوكة للدولة عن كل الآراء والاتجاهات، وهو أمر غير موجود بالمرة؛ حيث الرأي الواحد وتسفيه آراء المعارضين للانقلاب.
والطريف أنه بالرغم من وجود خيارين بورقة الاستفتاء أحدهما بنعم والآخر بلا، يتم القبض على كل من يحمل أوراقًا تشير إلى عدم الموافقة على الدستور، أو يتكلم كلامًا يشير إلى عدم الموافقة عليه، فالمتاح فقط هو الموافقة!
- ورغم النص على حظر مصادرة الأموال وعدم جواز فرض الحراسة على الملكية الخاصة، وبعد صدور قوانين لطمأنة المستثمرين منذ السبعينيات فقد عادت مع الانقلاب، ممارسات الستينيات والتحفظ على أموال أكثر من سبعمائة شخص ورجل أعمال وشركات وجمعيات خيرية، مما يحتاج إلى جهد لسنوات لإعادة الثقة للمستثمرين المحليين والأجانب.
- حظيت القوات المسلحة بوضع مميز بمشروع الدستور سواء من خلال تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولدورتين رئاسيتين، مما يعطيه سلطة مستقلة عن رئيس الدولة ورئيس الوزراء، أو المعاملة الخاصة لموازنة الجيش بجعلها رقمًا واحدًا، مما يخل بمبدأ الرقابة البرلمانية.
وجواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لتجمع القوات المسلحة بين صفتي الخصم والحكم، مما أوجد تناقضًا بين المادة 97 بمشروع دستور الانقلاب التي
تشير لمحاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعي، والمادة 204 التي تحيز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
- ونص مشروع الدستور على أن الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان تصبح لها قوة القانون، دون قيد من أحكام الشريعة الإسلامية، مما يفتح المجال لزواج الشواذ ومخالفة أحكام المواريث وغيرها، كذلك النص على حرية الاعتقاد مما يتيح المجال للديانات الوضعية غير السماوية.
- الطبيعي أن الدساتير التي يتطلب دوامها لا يتم وضعها في أجواء الانقسام المجتمعي، لكن سلطة الانقلاب تريد أي وسيلة ترتكن إليها وسط الرفض الدولي لها، وكان الإعلان الدستوري بعد الانقلاب قد كلف لجنة الخمسين بعمل تعديلات على دستور 2012 الذي عطله قائد الانقلاب، لكن اللجنة أتت بدستور جديد.
والمثير هو عدم وجود توافق على مشروع الدستور من قبل لجنة الخمسين، مما دعاها إلى ترك تحديد النظام الانتخابي إلى مجلس النواب، وكذلك لم تتفق بخصوص أولوية الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، كذلك لم تحسم طريقة تمثيل العمال والفلاحين والشباب والنصارى والمعاقين والمصريين بالخارج في مجلس النواب .
- إجراءات محاكمة رئيس الجمهورية بمشروع الدستور تشير إلى ضرورة وجود اتهام له من الأغلبية بالبرلمان، وقرار اتهام له بأغلبية الثلثين بالبرلمان، ثم وجود محكمة خاصة لمحاكمته، كذلك في حالة سحب الثقة من الرئيس يحتاج الأمر لموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، ثم إجراء استفتاء وموافقة الأغلبية بالاستفتاء، وكلها أمور لم يلتزم قادة الانقلاب بأي منها عند عزلهم الرئيس الشرعي المنتخب .
** وفي ضوء الآية الكريمة التي تشير إلى أنه من صفات المؤمنين أنهم "لا يشهدون الزور" أي لا يحضرونه، خاصة أن قول الزور وشهادة الزور من أكبر الكبائر، كما أن وجود إشراف قضائي على الاستفتاء لا يعطى الثقة فيه بالمرة، في ضوء الممارسات القضائية التي اكتوى المجتمع بنارها خلال الشهور الماضية، والتي أسفرت عن أحكام ببراءة رجال مبارك، والتعسف مع الطالبات والطلاب والأطفال المناهضين للانقلاب بأحكام قاسية لا تتفق مع طبيعة المخالفة. لكل ما سبق سنقاطع دستور الانقلاب.
ممدوح الولي
دستور الانقلاب والحريات المسلوبة 1061