عندما يتم تشكيل حكومة ما بطريقة توافقية (محاصصة) حينما تمر الدولة بمرحلة انتقالية تمخضت عن ثورة أو انقلاب بدون أي انتخابات ديمقراطية بين الأحزاب والقوى السياسية الموجودة، فإن هذه الحكومة ستستمد شرعيتها من تلك القوى والأحزاب، وليس من الشعب، وقد يكون أغلب أعضاء هذه الحكومة غير مؤهلين (أكفاء) ومتخصصين، وإنما بناءً على محسوبية سياسية أو اجتماعية، كذلك تؤدي هذه المحاصصة إلى استشراء الفساد من رشوة ومحسوبية وغيرها من صور الفساد الأخرى في مؤسسات الدولة، فأعضاء هذه الحكومة يدركون أن تغيير عضو منها لن يكون إلا بتوافق حتى لو كان أحدهم أو بعضهم فاسدين أو غير أكفاء (فاشلين)، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع في اليمن، حيث انتشرت المحاصصة من أعلى هرم في الدولة إلى أسفلها، وكل حزب من هذه الأحزاب تحاول استغلال هذه المرحلة بالتوظيف والتغلغل لعناصرها في مختلف مفاصل الدولة بحيث تنتهي المرحلة وقد استغلوها جيداً للتحضير للانتخابات المقبلة وفي نفس الوقت تكون معارضة قوية تستطيع التأثير على صنع القرار إذا لم يحالفها الحظ في تلك الانتخابات، لكن إذا تشكلت حكومة شراكة أو وفاق عن طريق الديمقراطية (الانتخابات) إذا كان هناك توازن للقوى، فإن هذه الحكومة ستستمد شرعيتها من الشعب، وسيكون الشعب مالك السلطة ومصدرها، وسيكون هم شركاء الحكومة العمل على إرضاء وخدمة الشعب وليس إرضاء الأحزاب والقوى السياسية, فهم يدركون أن الانتخابات القادمة ستكون صفعة قوية لهم إن لم يبنوا شرعيتهم الشعبية من خلال إرضاء المواطنين واعتقاد هؤلاء المواطنين بأن هذه الحكومة تلبي وتوفر احتياجاتهم وتخدمهم على الوجه المطلوب.
وقد استبشر اليمنيين خيراً عندما تم التوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011م بانفراج الأزمات المتراكمة على عاتق هذا الشعب من أزمة سياسية واقتصادية وأمنية كادت أن تسقط الدولة بشكل كامل وتدخل البلاد في حروب لا طائل منها، تفاءل الشعب وأمل خيراً في هذه الحكومة بأنها ستكون المنقذ والمخلص لنا ولبلادنا من تلك الأزمات التي أثرت علينا ولا زالت تؤثر حتى يومنا هذا، ولم تستطع الحد ولو بنسبة بسيطة من آثارها ومعالجتها والقضاء عليها مستقبلاً، ولكن زادت الطين بلة وأثبتت حكومة الوفاق فشلها الذريع على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية، صحيح أن البلاد تمر بمرحلة صعبة وظروف استثنائية انتقالية، إلا أن ذلك لا يعني فشلها في كافة المجالات، فعلى الصعيد الأمني كنا نأمل أن يستقر الوضع الأمني ولو بشكل نسبي ويحدث فرق بسيط عما كان عليه الوضع في 2011م، لكن حدث ولا حرج فقد تحدثت بعض التقارير أن عدد الذين تم اغتيالهم من عسكريين وأمنيين وسياسيين و.. . إلخ، تجاوزت (456) شخصاً منذ بداية عام 2013م حتى الآن أي بنسبة أكثر من عامي 2011م و2012م الماضيين هذا فيما يخص الاغتيالات أما الانفجارات والاختطافات والسرقات والتقطعات والمظاهر المسلحة فقد أعتدناها, بشكل أسبوعي إن لم نقل بشكل يومي، وحروب في شمال الشمال وقاعدة تضرب هنا وهناك، وحراك وقبائل تحاول السيطرة على بعض المحافظات الجنوبية، وطائرات بدون طيار تقصف بطريقة عشوائية لا تفرق بين مدنيين وإرهابيين، وكل هذه الأحداث تعبر عن فشل الحكومة الذريع في المجال الأمني.
أما المجال الاقتصادي فقد ارتفعت نسبة الفقر والبطالة والعجز في الموازنة العامة، ودفع رواتب الموظفين حتى أن حكومتنا الرشيدة قامت أخيراً برهن أصول شركة النفط لرجال أعمال مقابل حصولها على 60 ملياراً لتغطية عجزها وفشلها في الجانب الاقتصادي، وفساد بالمليارات وتبادل الاتهامات بالفساد بين الوزراء .. .. إلخ.
هذا من ناحية الشأن الاقتصادي على المستوى الداخلي، أما من ناحية الشأن الاقتصادي على المستوى الخارجي فقد أكدت إحدى المنظمات الدولية (الشفافية الدولية) بأن اليمن يعد الأول عربياً والثالث أو الخامس عالمياً في الفساد لاسيما تركيزها على ارتفاع نسبة الرشوة والمحسوبية بأكثر عما كانت عليه في الأعوام الماضية، وهذا يدل أيضاً على الفشل في الملف الاقتصادي.
وأما الجانب السياسي فلا زال الحوار جارياً وهناك ثلاث قضايا لم تستكمل بعد (القضية الجنوبية، بناء الدولة، العدالة الانتقالية)، وكذلك لا يزال الخلاف حول الفترة التأسيسية محتدماَ فمعظمهم طرح رؤيته وأغلبهم يقترح بأن هذه الفترة تكون ما بين 2-5 سنوات، ولا زلنا نتفاءل من مؤتمر الحوار الوطني بإحداث توافق سياسي يؤدي بشكل تلقائي إلى استقرار أمني يخلق بدوره بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة.
وفي الأخير ننوه بأن استمرار هذه الحكومة في عملها ومحاولة التمديد لها سيزيد الأوضاع سوءً على كافة الأصعدة، وقد صح المثل القائل: "ليس العيب أن تخطئ ولكن العيب أن تكرر الخطأ"، فحكومة الوفاق فشلت وأخطأت ونحن كشباب ثورة وكشعب لن نقبل أن يستمر هذا الخطأ ويتكرر، أما نخب القوى والأحزاب السياسية فعليهم أن يدركوا أن مصلحة الوطن فوق مصالحهم الضيقة والحزبية الصغيرة، وأن المخرج الأفضل لما تعيشه اليمن في أن تتشكل حكومة كفاءات "تكنوقراط" تخرج البلاد مما هي عليه الآن من أزمات تستمر في إدارة المرحلة التأسيسية التي سيتم التوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني، وبعد انتهاء الفترة التأسيسية على هذه القوى والأحزاب أن تدير البلاد كما يحلو لها وللشعب إذا حالفها الحظ في الانتخابات المقبلة، وليس الآن فالوضع لا يسمح بالمناكفات والمكايدات والمحاصصة والفساد التي يمكن أن تفجر ثورة جديدة وفوضى أمنية إذا أستمر الوضع على ما هو عليه.
خاطر مقبل الفيصلي
الفشل الذريع لحكومة الوفاق نذير باندلاع ثورة جديدة 1332