الاغتيالات تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة وبشكل مخيف ومقلق حتى غدت مادة إعلامية وخبرية شبه يومية بل اتخذها البعض قميصاً يرفعه للمزايدات السياسية ويستغلها تجار الحروب بغرض زعزعة الاستقرار وإخافة السبيل.. إنها الاغتيالات، حيث كادت تتحول إلى ظاهرة يصعب تدارك نتائجها الكارثية، على المستوى الوطني والإقليمي معاً، ذلك يستدعي استنفار الجهود لدراستها والوقوف على حقيقتها وجذورها واقتراح ما يحد منها، وصولاً إلى القضاء عليها وبهذه العجالة نضع تساؤلات عدة لها دلالاتها، منها :
1- هل يقف تنظيم القاعدة وراء الاغتيالات كلها أو بعضها أم أنه أصبح شمَّاعة تعلق عليها جرائم العابثين؟
2- عمليات اغتيال الأشخاص بهذه الانتقائية والدقة في التنفيذ وإخفاء معالم الجريمة هل نصدق أنها عبارة عن ثارات شخصية أو مناطقية بدوافع قبلية؟
3- ما الذي دفع تنظيم القاعدة إلى تغيير استراتيجيته لو افترضنا ضلوعه في الاغتيالات وهل بمقدوره تنفيذ عمليات بهذه الوتيرة العالية؟
4 أين أجهزة المخابرات بمختلف تشكيلاتها، هل عجزت عن القيام بدورها في العمل الوقائي لحماية أرواح الناس، أم أنها تعيش مرحلة شلل بسبب تذبذب الولاء بين الماضي الحاضر؟
5- هل يمكن ضلوع مخابرات دولية وإقليمية ومعها مراكز نفوذ فقدت مصالحها بسبب موجة التغيير العاتية في ما يجري اليوم؟
6- ما سر تزامن ارتفاع وتيرة الاغتيالات في صفوف العسكريين قرار هيكلة الجش والأمن؟
7- لماذا تطال الاغتيالات من يؤمل فيهم لعب دور مستقبلي في مسيرة البناء والتغيير، ومن صاحب المصلحة في تصفية القامات الوطنية؟
8- الدولة العميقة، والذين كانوا في الماضي وإلى وقت قريب يهددون الناشطين (بقراح الرؤوس) هل نظن أنهم في منأى عن ما يجري؟
9- ما دور كتائب الموت التي أعلنت عن نفسها كموالية ومناصرة لعلي صالح إبان الثورة الشبابية، كمنظمة إرهابية تثار للرئيس الصالح في مسلسل الاغتيالات؟
10- إلى متى سيستمر مسلسل عمليات الموت القذرة وما هي تداعياتها على المستوى الوطني والإقليمي؟
ما سلف من التساؤلات وغيرها تستدعي الوقوف بجدية وسعة أفق واستشراف المحيط وتسليط الضوء على:ـ
1- الاغتيالات وتنظيم القاعدة؛ الذي لاريب فيه أن تنظيم القاعدة له أجندته الخاصة واستراتيجية باتت معروفة للكثير من المراقبين ولكنه مخترق من المخابرات (محلية، إقليمية، دولية) والتي قد تستغله لتنفيذ الكثير من الأهداف لخدمة مصالحها إلا أن الأسلوب المتبع في الاغتيالات الحاصلة اليوم ليس من استراتيجية القاعدة المعهودة، إضافة إلى عدم قدرته على تنفيذ العمليات بهذه الوتيرة العالية في التنفيذ، المتسارعة في التوقيت، والانتقائية في الاستهداف، والتي تتطلب مهارات خاصة وتجربة عميقة وإمكانيات هائلة كل ذلك لا يتوافر لتنظيم القاعدة، حسب رأي الباحث أحمد الزرقة المتخصص بشؤون الإرهاب، أن الاغتيالات الخيرة لا صلة لها بتنظيم القاعدة وإنما هي جزء من الصراع السياسي والعسكري القائم في البلاد والقاعدة ليست سوى غطاء..
2- الاغتيالات والأيدي الآثمة.. الأنظمة العربية المستبدة ومنذ وقت مبكر، عقب قيام الجمهوريات (الديكورية) الدكتاتورية درجت على الاغتيالات، والسجون والنفي، كوسيلة للخلاص من المعارضين السياسيين، حتى شاع مصطلح الاغتيال السياسي، والسجين السياسي واللاجئ السياسي (ماركة عربية) والنظام اليمني حينها سواءً في الشمال أم في الجنوب سابقاً لم يشذ عن تلك القاعدة،، فقد تعود اليمنيون على سماع خبر النعي في نشرة التاسعة مساءً للمناضل الجسور(معارض) الذي قضى عمره في خدمة الوطن، يليه مباشرةً برنامج متكامل عن حياة ومناقب الضحية، بلسان الجلاد، وتكرار ذلك بين فترة وأخرى ولم ير المواطن من تلك الأيادي الآثمة إلا آثارها الكارثية التي أودت بخيرة رجال اليمن ابتداءً بأبي الأحرار الزبيري، وليس انتهاءً بشهيد الكلمة الحرة المناضل جارالله عمر، ومن العجب أن البعض كان يبلِّغ وينذر ويُحذِّر قبل أن تمتد إليه الأيادي الآثمة بوسائل متعددة، إما رسالة تُلقَى في حوش منزله أو عبر زوار الفجر أو اتصال هاتفي مفادها :(بطِّل وإلا عيقرح راسك) وهذا ما انفردت به الحالة اليمنية عن غيرها؟ ولقد برزت إلى السطح الاغتيالات عقب الوحدة ١٩٩٠م وأودت بالعديد من المعارضين السياسيين ثم تراجعت بعد حرب ٩٤م لأسباب قد تعود إلى نشوة النصر وإحكام القبضة العسكرية وقد تعود لأسباب تتعلق بالتوريث وترتيباته، إلا أن هذه الفترة لم تخل من انفجار إطار سيارة هنا أو هناك (المتوكل، أبو شوارب، الشيخ عبدالله الأحمر) حتى عاد المسلسل الخبيث للأيادي الآثمة إبان اندلاع ثورة الشباب ٢٠١١م وتحول إلى شبه ظاهرة عقب تسليم السلطة وتزايدت وتيرته بالتزامن مع قرار إعادة هيكلة الجيش والأمن !.
3- أما الاغتيالات وكتائب الموت فــ "إن من مارس القتل الجماعي علناً لن يتورع عن ممارسة القتل الفردي سراً؛ في يونيو٢٠١١م أعلنت جماعة إرهابية عن نفسها في صنعاء تحت اسم (كتائب الموت) ونشرت أول بيان لها على المواقع الإلكترونية معلنة مسؤوليتها عن اقتحام صحيفة الأضواء والاعتداء على العاملين فيها وتضمن البيان خطتها المستقبلية حيث قالت بانها ستلاحق من قالت بأنهم يسعون لإثارة الفتنة وأن أول المستهدفين، هم قادة اللقاء المشترك وكل من تعاون معهم، ثم اختتم البيان بعبارة دائماً ما كان يرددها أفراد الأمن القومي وبعض الوحدات الخاصة، وهي "عاشت الأمة والمجد والخلود لليمن وشعبها وقائدها الرمز،،صادر عن كتائب الثأر لليمن وللرئيس الصالح،14- 6- 2011م صنعاء "في٧سبتمبر ٢٠١١م استنكر التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات استمرار الجرائم التي ترتكب من قبل من وصفها بكتائب الموت التابعة لنظام صالح، ضد المحتجين المناهضين للنظام والتي تعد جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية،،وأوردت الخبر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وكذلك صحيفة الأيام الأردنية وبعض المواقع الإلكترونية.
4- الاغتيالات ومراكز النفوذ، إن من رفع شعار أنا وحدي ومن بعدي الطوفان، حري أن يعمل جاهدا ليُرِي الناس ولو موجات من طوفان القتل وترويع الآمنين وإقلاق السكينة، سعياً لإثبات مصداقية شعاره،، وإذا أمعنا النظر في الأسلوب المتبع في الاغتيالات، والذي تفرد بواحدية الأسلوب وطريقة التنفيذ، يجعلنا نجزم أنه لا يقف وراء هكذا إجرام إلا جهاز منظم وذو إمكانيات غير عادية تمكنه من رصد وتعقب الضحايا ويتمتع بمهارات عالية في التنفيذ وطمس معالم وآثار الجريمة ونستطيع القول أن ما نشهده هو عالم الجريمة المنظمة، وبنظرة أخرى إلى نوعية المستهدفين يبدو المشهد أكثر وضوحاً، حيث يتم استهداف الشخصيات المؤهلة للعب دور مستقبلي في مسيرة البناء والتنمية، عسكريين ومدنيين، أو العناصر التي تمتلك رصيد معلوماتي وأسرار متعلقة بمرحلة ما قبل ثورة الشباب الشعبية٢٠١١م، ولو ربطنا بين تزامن ارتفاع وتيرة الاغتيالات في صفوف العسكريين مع قرار إعادة الهيكلة وذلك العدد المهول من الضحايا الذي وصل إلى ٣٨٠ ضابط عسكريين وأمنيين ناهيك عن المجازر الجماعية التي ارتكبت بحق القوات ذات الفاعلية الوطنية، وواحدية الأسلوب ونوعية المستهدفين لخرجنا بنتيجة مفادها، إن مراكز نفوذ أبعدت عن القرار السياسي فتضررت مصالحها ويخشون أن يستكمل اليمنيون مشروعهم التغييري فتنتهي يومئذ مصالحهم غير المشروعة فعمدوا إلى إعاقة عجلة التغيير وإرباك العملية السياسية ومخرجات الحوار وضرب التسوية ومن ثم إفشال النظام الحالي أو على الأقل إظهار عجزه عن إدارة الدولة وتأمين الناس ولذلك إذا قرات أو سمعت بجريمة الاغتيال فانظر أي الجهات، الأحزاب، الجماعات، الأشخاص، يرفع قميص الضحية ويعمل علي استغلاله سياسياً فاعلم انه وراء تلك الجريمة.
محمد الخولاني
مقاربة تحليلية لخلفيات عمليات جرائم الاغتيالات 1211