ونحن في نهاية القرن الواحد والعشرين قد يظن القارئ أن هذه مقالة لأحداث في الجاهلية الأولى أو في القرون الوسطى وليست في يومنا هذا لكن الحقيقة التي لا مفر منها أنها الواقع المعاش في قرية دماج، حيث لم تجد النساء ملجأ لـ أكثر من 200 أمرأه إلا "قبواً" لا تتجاوز مساحته 60 متراً فررًن إليه من القصف المسعور لآلة القتل الحوثية التي لا تفرق بين مقاتلٍ وبين طفلٍ وامرأة.
مساكين تلك النسوة ظنن أنهن فررَن من الموت ولكن الموت كان ينتظرهن في ذلك القبو الذي تنعدم فيه حتى أشعة الشم والهواء- حالات اختناق من شدة الزحام وانعدام الأوكسجين روائح البارود (الموت الأصفر) يتبعهن إلى ذلك القبو.
بعض الحوامل أجهضت، وبعضهن ما زالت تتلوى من آلام الولادة تصرخ بكل صوتها،لكن دوي المدافع الحوثية أذهل عقول النساء اللاتي ينظرن إليها بذهلول وهي تتلوى من الأمل وقد مات وليدها من الجوع إنها تصارع الموت دون جدوى، الفتيات الصغيرات ينمن واقفات من الإعياء والزحام حالات إغماء وهستيريا حادة جعلت الكثير من النساء تفر من هذا الموت البطيء في هذا القبو المظلم وترجع إلى بيتها المقصوف تنتظر قذائف الحوثي الإيرانية لتستريح من هذا العناء ولسان حالها يقول:
من وسط قبري أصيح متى متى أستريح؟
متى أموت لأحياء فالموات صار يريح
أليس لهذه النساء حقوق؟ أين تلك المنظمات الإنسانية المتعددة الأسماء والصفات والتي ضجت بها القنوات وهي تنادي بحقوق المرأة والطفل أم أنها لا تهتم إلا بالمرأة العصرية العسكرية والجندرية، أما المرأة الضعيفة التي تدفن حية في قبر تنزل إليه بنفسها فراراً من آلة القتل الوحشية والهجمات الحوثية البربرية فلا تجد من سيحدث بأبسط حقوقها رغم أنها لا تريد إلا حقها في الحياة الحرة الكريمة.
هل يستطيع الرئيس الهادي عبدربه هادي أن يهدئ استعار النيران المجوسية في قرية دماج ولو لساعة واحدة كما فعل المبعوث الأممي بن عمر حينما أوقف القصف على دماج لمدة ساعة ليخرج فيها الجرحى وعاد القصف قبل أن يدلي بتصريحه (أنه نجح في وقف إطلاق النار)، نريد من رئيسنا الهادي أن يتوسط لدى الحوثي أن يعطي رعيته- في دماج- ساعة واحدة مثل ساعة بن عمر يخرجون فيها النساء والأطفال حتى لا تزعجه صرخات هؤلاء المقبورين أحياء في هذه القبور التي يستغيثون منها ولا مجيب..
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
عبدالجبار الكبودي
النساء تُدفن أحياء 1187