لم أنشغل بقضية "ثوره أم انقلاب" طالما أن صاحب القرار هو "السيسي"؛ فالأمر واضح، وطالما أن الجيش تدخل في 3 يوليو كما قيل لتجنب حرب أهليه (التي تكون بين طرفين) إذن فالتدخل تم لصالح طرف ضد الآخر (ضد تعريف مهام الجيش)؛ لذلك تتصاعد المظاهرات وصولاً لـ6 أكتوبر, وبالرغم من ذلك لو كانت الأوضاع تتجه إلى الأفضل لانحازت شرائح الشعب (غير المسيسة) للسلطة.. لسلطة تزداد عنفًا والإعلام يزداد كذباً والأسعار تزداد ارتفاعاً والشعب يزداد فقراً وغلياناً؛ بسبب الإصرار على الانتهاكات والتناقضات.
- الحل الدموي أصبح استراتيجية الحكومة, وصلنا لاعتقال السيدات وتلاميذ المدارس ويستحيل إقناعنا بأنهم إرهابيون.. التخوين كان محرمًا قبل 3 يوليو أصبح أسلحة الإعلام والسلطة, مهزلة إهمال تقارير المركزي للمحاسبات ضد وزير العدل وخلافه تعني دعم الفساد الذي قامت ضده الثورة، في حين أن تقارير البنك المركزي أثبتت أن السنة المالية لحكم مرسي (كان يحارب الفساد) كانت الأفضل.
- السياسيون لن يخوضوا الانتخابات الرئاسية ضد السيسي، وكأنهم يقولون نحن "نصابون"؛ لأننا وصلنا لأوضاع مزرية بسبب حكم العسكر منذ 1952, فهل حدثت ثورة يناير لتسليمهم الحكم مرة أخرى؟!
- قرار الرئيس المعين "تقنين الاعتقال للمعارضين" يعني "المتهم مدان حتى تثبت براءته" أمر متوقع منه "كرئيس للدستورية" وظيفته حماية الدستور فإذا به ينقلب على دستور تقرر باستفتاء أشرف عليه القضاء وحماه الجيش واعتمدته الجهة الرسمية، واعترف به العالم، ولذلك هذا الرجل يستند بتصريحاته الرسمية على الشرعية الشعبية (الحشد) بالقرون الوسطى عندما كان التقدير بالمساحة المغطاة بالبشر, بدلاً من الحساب الدقيق عن طريق آليات الصناديق والديمقراطية الحديثة, وكأن السلطة تجبر الناس على استخدام الجمال والحمير وسيلة للمواصلات بدلاً من السيارات والطائرات.
- أما القضاء فمثلاً, صدر قرار بضبط وإحضار أحمد مكي ونهى الزيني؛ بسبب كشفهما لتزوير انتخابات 2005 ولم يتطرق للقضاة المزورين (تهديد لمن يفكر في انتقاد الانتخابات القادمة), صدر حكم نهائي بحبس هشام قنديل لعدم تنفيذه لحكم يسأل غيره عن تنفيذه, كما تم إسقاط عضوية 75 قاضيًا من نادي القضاة وصدور حكم بوقفهم عن العمل بسبب (تدخلهم بالرأي السياسي) بمعارضتهم لتدخل الجيش في 3 يوليو.. والعجيب أن هذا التدخل تم إعلانه من خلال تحالف كان يضم رئيس المجلس الأعلى للقضاء, كما أننا لا ننسى النشاط السياسي لرئيس نادي القضاة الزند؛ فأين المنطق؟!.
- نتخوف من تكرار شرعية "الحشد والتفويض"، فاذا لم تتمكن السلطة من "عسكرة وعلمنة" الدستور بالاستفتاء النزيه فستكون "شرعية الحشد" لإقراره بالحشود المفبركة إعلاميًّا, وبالمثل قد يتم تنصيب الرئيس "بالتفويض" الشعبي.
- محاولة إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية تكريس للاستبداد والفساد عن طريق شرعية "الحشد والتفويض والتضليل الإعلامي والقهر المسلح وتقنين الاعتقال والطوارئ والحظر والتخوين"؛ لأن تأثير الإعلام محدود في البرلمانية مقارنة بالرئاسية, يتم أولاً تنصيب الرئيس المطلوب (في غياب البرلمان) ليستخدم سلطاته في ترتيبات الانتخابات البرلمانية والتي يراد لها أن تكون بالفردي بدلاً من القائمة لنفس الأسباب.
- إذا أضفنا الفضائح الأخيرة, فيديوهات الترتيبات المسبقة منذ ديسمبر 2012 للقيادات العسكرية مع الضباط لتدخل الجيش, أيضًا اعترف مؤخرًا المجني عليهم بأن الشرطة هي التي قامت (بقطع أصابعهم) وأجبرتهم على الكذب بأن معتصمي "رابعة الإرهابيين" هم الذين قاموا بذلك, سياسة تكررت كثيرًا لإظهار أنه لا أحد يعارض السلطة إلا الإرهابيون؛ يعني السلطة تقول إنها "سلطة بلا معارضة"، والمذهل أن الحكومة دعت الناس (بلا مثيل سابق) لنزول الشوارع للاحتفال 6 أكتوبر, للاصطدام بمظاهرات الإرهابيين (كما تسميهم الحكومة).
- أيضاً الشذوذ عن الثوابت الدينية والمجتمعية, فنانة تصرح بأن الرسول ليس هو أشرف خلق الله طالما هناك السيسي, وقس نصراني يطالب بإذاعة الإنجيل مع القرآن في نشيد الصباح بالمدارس, والمتحدث الرسمي للجنة الخمسين يؤكد أنه لا علاقه بين الدين والدستور، ثم إصرار على حق أصحاب العقائد الوضعية غير السماوية بالاحتكام لشرائعهم, وصولا (مثلاً) لتقنين زواج المثليين والشذوذ الجنسي, فضلاً عن معارضة كثير من أعضاء لجنة الخمسين (التي عينها العسكر) لتوجهات العسكر, ثم الصراع بين السيسي وسامي عنان على الرئاسة.. وختاماً وزير مصري يهدد بضرب غزه "يعني فلسطين"!!.
- كل هذه تناقضات جذرية تؤكد أن السلطة تحمل في أساسها وتكوينها عناصر تفجيرها.. السلطة الآن تمثل نظام المخلوع قبل ثورة يناير, لكن أكثر قسوة وعنفاً وإعلاماً أكثر كذباً وأوضاعاً أكثر فشلاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بكل مقاييس "الحرية والهوية", في حين أن الثورة الآن أكثر نضجاً وتنظيماً بوجود قيادة وكيان يدعمها "تحالف دعم الشرعية" وشعار يمثلها "رابعة" وأكثر صموداً وتضحية واستشهاداً.
* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار بمصر
د. حسن الحيوان
أكثر عنفاً وكذباً وفشلاً 1628