ليس ثمة شيء يتعوذ منه غلاة المناطقية والجهوية وتابوهات التحجر والانفصال أكثر من اسم الوحدة اليمنية التي يسعون إلى هزيمتها وإسقاطها؛ إما عن طريق الاصطفاف والتكتل خلف الفصيل الذى جاء إلى الحوار مدفوعاً بالرغبة إلى تفجيره من داخله وإحداث أزمة عاصفة تنتهي بتمزيق هذا البلد ليس إلى شطرين وإنما إلى عدة كنتونات متناحرة أو من خلال مراهنة هذا الطابور من الانفصاليين على تثوير الشارع الجنوبي ضد الوحدة ودفعه إلى التخلي عن هويته تحت طائلة الخداع والتعبئة الخاطئة والوعود الكاذبة والزائفة .
والمتأمل في جملة الطروحات التي تتمسك بها الجماعة الانفصالية يمكنه أن يصل إلى استنتاج مؤداه أن هذه الجماعة التي باتت تعاني من مرض مستشر اسمه (فوبيا الوحدة) هي من تستغل الظروف الراهنة من اجل تمرير مشروع الانفصال في انتظار أن تأتيها ساعة الصفر من الخارج لكي تنتفض وتنتقل إلى سدة الحكم ولهذا فهي من تستخدم اليوم مصطلح اليمن والجنوب بغية إقناع الجميع بانها قد جاءت بدولة ومن حقها أن تستعيدها من دون أن تتنبه هذه الجماعة الانفصالية أن هذه الدولة لم تسقطها الوحدة وانمار هي التي انهارت كلياً بعد مجزرة 13 يناير 1986م فكانت الوحدة التي يتنكرون لها اليوم هي من حمتهم من المصير المؤلم الذى كان ينتظرهم قبل أن يسيل لعاب هذه الجماعات الانفصالية على براميل النفط التي يريدون أن تكون ملك لهم وليس لأبناء الجنوب الذين تعدهم بمستقبل افضل.
وإذا ما كنا نتفق كلياً مع الرئيس / عبدربه منصور هادي في تأكيده على أن المعالجات التي ينبغي أن يخرج بها مؤتمر الحوار الوطني يجب أن تصب في إصلاح منظومة الحكم وإيجاد الحلول للصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه اليمن وليس في النيل من الوحدة باعتبار أن الوحدة لا علاقة لها بالأخطاء التي ارتكبت من قبل القائمين عليها مع ذلك فان ما يبدو واضحاً للجميع انه ما كان لاحد أن يتجرأ على التطاول على الوحدة والنيل من مدلولها الوطني والقيمي والأخلاقي والحضاري لولا انحراف مؤتمر الحوار عن مساره وانتقاله من حوار يرسم خارطة طريق لمشروع وطني للمستقبل إلى حوار عبثي وعملية تفاوضية بين شمال وجنوب تقدمت فيها شطحات المغامرين ونزعات المقامرين وانفعالات سماسرة الأزمات والصراعات العبثية على صوت العقل والاعتدال والرؤى المتزنة التي تسعى إلى توجيه البوصلة الوطنية في الاتجاه السليم الذى يفتح أمام اليمنيين آفاقاً جديدة من الوئام والاستقرار بعيداً عن احن الماضي وويلاته وماَسيه وخطوبه التي دفع هذا الشعب ثمنها غالياً.
ولاشك أن الحوار قد دخل منزلقاً خطيراً منذ اللحظة الأولى التي تم القبول فيها بتشكيل لجنة 8+8 في خرق واضح لقواعد الحوار وآلياته واتفاقية التسوية التي تم التوقيع عليها في الرياض ولا ندري كيف تم التسليم بهذا الإجراء رغم انه يكسر كل سقف تم التوافق عليه وكيف يمكن لنا الاطمئنان إلى لجنة شطرية خيبت آمال اليمنيين الذين اعتبروا أن الحوار قالب النجاة وإذا به يتحول إلى سيف مسلط على وحدة اليمن واستقراره وآمنه خصوصاً اذا ما استمر السكوت هذا النوع من المفاوضات العبثية التي قد تؤدي إلى إفشال الحوار برمته.
وما يثير للتساؤل أن تجري مثل هذه المفاوضات مع فصيل يدعي تمثيل الجنوب في حين أن الجنوب لا يمثله هذا الفصيل ولا غيره من عشرات الفصائل التي تعبث بالبلاد والعباد عبر جلوسها حول الموائد المستديرة والمستطيلة لتبتكر كل يوم خيارات جديدة من اجل تفتيت وتمزيق ليس الجنوب وحسب وإنما اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه .
وبالتالي فما لم يتنبه اليمنيون إلى مغبة المخططات التي تدار وراء الكواليس فإنهم الذين قد يتفاجأون بيوم تصبح فيها اليمن كلها في خبر كان, حيث لم يعد من السهل تجاهل أجواء التصعيد والتوتر التي تعمل اطراف الحراك على تأجيجها لغايات ليست خافية على احد وفي الصدارة منها زيادة الضغط والإرباك على قيادة البلاد إما لتأكيد عجزها وعدم قدرتها على إدارة اللعبة السياسية أو لإشغالها عن التصدي للملفات الملحة والضاغطة ومن ذلك ملف الإرهاب الذى لابد وان عناصره صارت تتحرك في اطار الفراغات التي يحدثها الحراك واخطر ما في هذه الحالة أنها التي تفتح الباب على مصراعيه لاضطراب واسع يصعب اذا ما استمر محاصرته وتطويق حرائقه حيث وان اضطراب المركز يعني من الناحية الواقعية اهتراء أطرافه وفقدان الدولة قدرتها على السيطرة وعجزها عن إعادة لملمة الأوضاع في حالة شبيهه لما جرى في الصومال.
وبناء على هذه الحسابات يشعر المراقبون بمدى التدليل الحاصل من القوى السياسية الأساسية لفريق الحراك بغية استمالته أو إرضائه رغم إدراكها أن مثل هذه المحاولات قد فشلت عدة مرات وان استمرار هذه الحالة من التدليل إنما هو الذى يقدم رسالة خاطئة لهذا الفريق فحواها ان بإمكانه امتلاك زمام المبادرة وفرض شروطه وانتزاع المزيد من التنازلات الجوهرية وبما يضع البلاد بين خيارين خيار الفتنة في الشمال وخيار الانفصال في الجنوب وقد يستغرب المرء من التصريحات التي ادلى بها مؤخراً القيادي الجنوبي محمد علي احمد والذى أشار فيها إلى أن فريقه لن يقبل بأي حل لا يرقى إلى ما وصفه بمطالب شعب الجنوب في تقرير المصير واستعادة دولته المستقلة على أساس حدود ما قبل 21 مايو 1990م فمن هو محمد علي احمد وما هو وزنه حتى يعطي نفسه الحق في تقرير مصير وحدة اليمن ومن فوضه بمثل هذه المهمة من أبناء الجنوب في حين أن الجميع يعلم أن من يدعي تمثيلهم لا يزيدون عن العشرات تم جمعهم قبل عدة اشهر تحت شرعية منحها لهذا الفصيل المبعوث الأممي جمال بن عمر.
والأمر هنا ليس تجنياً على هذا الفصيل أو على من يقوده ولكن فان من السذاجة القبول بمثل ذلك المنطق الذى يسد منافذ أي حل يصون وحدة اليمن اذا ما علمنا أن مجرد السكوت عن مثل هذا المنطق يرسل إشارات خطيرة لليمنيين شمالاً وجنوباً على أن ما يجري ليس اكثر من نقطة ارتكاز لشد جميع الأطراف بان الانفصال صار أمراً محسوماً وان ما يتم التفاوض حوله لا يتعدى عن كونه يندرج في اطار التمهيد للانفصال الناعم.
وعليه فإذا ما كان التفاوض بين الشمال والجنوب أمراً حتمياً فان مثل هذا التفاوض ينبغي أن يكون ليس مع محمد علي احمد ولا غيره من قادة الفصائل الذين يتصارعون على قيادة الجنوب وإنما مع جهة تستمد مشروعيتها من أبناء الجنوب وتوافقهم حولها وليس هناك ممثل يحظى بهذه المشروعية غير الرئيس عبدربه منصور هادي الذى انتخبه أبناء الجنوب مثل إخوانهم أبناء الشمال كرئيس لليمن الموحد فليكن الحوار مع الرئيس هادي وليس مع الجماعة الانفصالية التي تراهن على هزيمة الوحدة على خط يقود إلى خراب لا يداعب مخيلة عاقل واحد في اليمن.
وثمة فرق هائل بين من يقول: قد أكون الرجل الذى يحتاج إليه الجنوب في هذه المرحلة وبين الرجل الذى يمتلك المشروعية للحديث عن الجنوب في المرحلة.
علي ناجي الرعوي
فوبيا الوحدة !! 2442