مع ما تمر به ثورة الشرعية من آلام ومخاض، وولادة ما زالت حتى اليوم متعسرة ، يواصل الشعب المصري ثورته ، وما زالت يده على زناد مظاهراته ليل نهار لم يكل ولم يمل ، ولم يفت في عضده تقادم الأيام ، أو تسارع الأحداث ، وما أصدره الإنقلابيون من قرارات أرادوا منها خلالها تقييد حركة المتظاهرين لكنهم كانوا أكبر من التقييد، وارفع من أن يعودوا إلى بيوتهم بلا رئيسهم المنتخب الذي تمثلت فيه الشرعية التي ينادون بعودتها بعد سرقتها من طغمة مارقة لم تلتزم بآداب وأخلاق الشعب المصري فشذت عنه وفي صورة أقبح ما تكون عليه لكنهم واهمون ولم يفهموا المعادلة صحيحا .
لقد ظنوا- وما علموا أن بعض الظن إثم ، وأن بعض السهام طائشة- أن حركتهم الاحتجاجية التي قوبلت بالعنف سيخبُ أوراها ، وسيخفت ضوؤها مع الأيام ، كلن الذي جرى كان عكس ما يفكرون به ، فاليوم يواصل الشعب المصري أكثر من 60 يوما ثورته ضد الانقلاب العسكري الدموي وهو يقود ثورته ودفاعا عن وطنه في ميادين العزة والكرامة وتقديم نموذجا فريدا في الصمود والإصرار والقبض علي جمر الحرية في مواجهة الانقلاب العسكري الإرهابي ، حيث اتسعت رقعة الفعليات وشرائحها، ومواقعها ، وإبداعاتها لتؤكد عظمة الشعب وإرادته رغم الاعتقالات الجبانة. ورأينا كيف أضحت الشعوب العربية اليوم والإسلامية والمتحررة من قيد العبودية من بعض الدول تشيد بهبة المصريين وصمودهم وتفاعلهم في داخل مصر وخارجها، وما أسبوع "الوفاء لدماء الشهداء " إلا آية جديدة من آيات صموده ومواجهته للانقلاب العسكري, في ظل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد الانقلاب على الشرعية واستطاعوا بصمودهم أن يجذبوا الراي العام حول شرعيتهم المغتصبة بالدم ن واستطاعوا أيضا أن يلفتوا العالم إلى أن الدم المصري حرام ومن يمارس العنف و يريق الدماء فهو مخرب و قاتل.
إن عظمة هذا الشعب وإصراره على استعادة حريته المسلوبة جعلته يصنع ثورته ويجددها كل يوم في فعاليات وإبداعات، بما فيها السلاسل البشرية ومسيرات السيارات والدراجات البخارية وعروض الشوارع وغيرها.
وفي هذا السياق يرصد التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب كل يوم حركة الشارع المصري الرافضة للانقلاب العسكري وحجم المشاركة في الفعاليات التي يدعو لها، ويدرس جيدا هذا الحراك الشعبي الضخم.
إن إبداعات الشعب المصري اليوم التي يبتكرها في مواجهة الانقلاب الدموي بكافة الوسائل، بما فيها حملة "ثورة داخل ميترو الأنفاق الشبابية "، والسلاسل البشرية ومسيرات السيارات والدراجات البخارية وغيرها، يؤكد أن هناك ثورة يقودها الشعب بنفسه دعما للشرعية ورفضا لانقلاب دموي غاشم يسرق منه حلمه.
وفي هذا السياق لا نجد بدا من التذكير بالوضع المأساوي الذي وصلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والحياتية ،وما كبده الانقلاب من خسائر فادحة وتراجع شديد لمصر، وما افرزه الانقلابيون من إفساد وانحراف وتدمير لإعادة بناء النظام البائد بكامل رموزه ومؤسساته وسلوكه المشين وملاحقة كل من يعارض الانقلاب من الشرفاء والأحرار واعتقالهم والتنكيل بهم وتوجيه لهم التهم الزائفة في مقابل تبرئة وإخلاء سبيل المخلوع الذي أفسد حياة المصريين طيلة ثلاثة عقود مضت وأصبح مفسدو النظام البائد طلقاء يعيثون فسادا بكل وحشية وبات كل حر شارك في صناعة ثورة يناير موضع انتقام واستهداف للنيل منه وتعري برقع الحياء والشرف عن دعاة الفتنة المتلونين وراحوا يتفاخرون بالمخلوع وأعوانه ويدعون الناس للانجرار الي استباحة الدماء والتناحر بدعاوي خادعة وفتاوى زائفة لا تمت لصحيح الدين بصلة ولا بأخلاقه وقيمه و لا علاقة لها بسلوك ونهج الديمقراطية ، فكانوا بمثابة الغثاء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع و يا ليتهم كانوا كذلك بل لقد كانوا معاول هدم لهذ الشعب الصمصام العصي على الانكسار ، لقد أراد هذا الغثاء أن يركع الشعب المصري صاحب الشرعية الانتخابية
إن من بين الشعب المصري كثير من الشرفاء ممن لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وقفوا وقفة حق وعز وكان لمواقفهم زخما شعبيا محترما وضعه الناس في موضع مهيب من القلوب والنفوس ، فكانوا هم العطر العابق في أجواء المظاهرات والاعتصامات والفعاليات لهم منا كل الشكر والتقدير لأنهم الشرفاء في زمن الغثاء.. أما البائعون مبادئهم ديناً, فنقول لهم كما قال الشاعر:
ما زلت أبحث في وجوه الناس عن بعض الرجال
عن عصبة يقفون في الأزمات كالشم الجبال
فإذا تكلمت الشفاه سمعت ميزان المقال
وإذا تحركت الرجال رأيت أفعال الرجال
أما إذا سكتوا فأنظار لها وقع النبال
يسعون جهداً للعلا بل دائماً نحو الكمال
يصلون للغايات لو كانت على بعد المحال
ويحققون مفاخراً كانت خيالاً في خيال
همم لهم تسمو إذا ما رامها نجم الشمال
أفكارهم خطط تقود الكل نحو الاعتدال
لا يشتهون الدون أو أحوال أشباه الرجال
بل يشتهون الخوض في حرب المداولة السجال
يتعشقون الموت في أوساط ساحات القتال
ويرون أن الحر عبد إن توجه للضلال
من لي بفرد منهم ثقة ومحمود الخصال
من لي به يا قوم إنهم ووجداني ثقال
سيقول بحثي إن سؤلي نادر صعب المنال
فمن الذي يحمل معاً أوصافه هذي الخصال
لكن عذري أن في الدنيا قليلاً من رجال
مروان المخلافي
شرفاء في زمن الغثاء 1617