في ظل ما تمر به الأمة العربية من تجاذبات سياسية دولية خطيرة جعلتها, أي التجاذبات, تعيش تحت إبط الدولة الغربية الكبرى وأصبحت الأمة العربية مقسمة ما بين حليف وحليف آخر، فحال كل دولةً عربيةً اليوم سليبة الرأي رهينة القرار غير قادرة على أن تقدم لوطنها وشعبها وقضايا الأمة العربية إلا بذلك القدر الذي يسمح لها..
أي أنه من الممكن أن نقول: إن الدول العربية لم تحرر بعد من تبعات المستعمر القديم؛ وإن كان ذلك التحرر مقصوراً على التحرر الشكلي الجغرافي فقط ؛ في حين أن الدول العربية لا زالت إلى يومنا هذا مستعمرة الفكر والسياسية والاقتصاد والتوجه وهذا ما جعل من تحرر الدول العربية الشكلي الجغرافي ما بعد منتصف القرن العشرين لا أهمية له، أي معنى للتحرر إذا لم تكن العقيدة حاضرة ويكون الفكر والضمير حاضرين أيضاً, وكان لأنظمة الدول العربية ما قبل ثورات الربيع العربي الدور الكبير في جعل حال الأمة العربية على هذا الحال السيئ.
وبما أن في بعض الدول العربية قد حصل فيها نوع من التحرر الحقيقي وذلك عندما استلهمته شعوب هذه الدول من منطلق أن التحرر الحقيقي يأتي من تخلص الشعوب العربية ممن يتاجرون بعروبتهم وهويتهم ويتلاعبون بضمائرهم وبفكرهم, وهؤلاء هم حكام الأمة العربية الساقطون والمتجهون نحو السقوط، وهذا ما حصل في دول الربيع العربي حين تخلصت شعوبها من حكامهم المستبدين آملين في أن يلامسوا تحرر عربي حقيقي خالص.. فهل لامسته هذه الشعوب؟.
من يلاحظ سيجد أن دول الربيع العربي لم تكن تبحث عن تحرر حقيقي يثمر بقضايا الأمة العربية ويجعلها حيز الوجود بقدر ما كانت هذه الدول تبحث عن شيء من الديمقراطية يجعلها تتنفس مع شيء من التخبط هدفه الوصول إلى الحكم، واليوم أصبحنا نشاهد أن حكام الربيع العربي ليس بينهم وبين أسلافهم وذوي أسلافهم ممن لم يحطمهم ربيع العرب أي فرق؛ سيما تجاه قضايا الأمة العربية وتبعيتهم لدول الغرب، لست أنتظر من دول اللا ربيع عربي خيراً بقدر ما أنظر إلى هذه الدول بعين الخيفة..
والحذر لأن مثل هذه الدول لا تريد لمشروع عربي جديد أن يتبلور يحمل في حناياه آمال الأمة العربية ونهضتها القوية لهذا فأنا لا أرى خيراً في هذه الدول ولا أرى خيراً في حكامها على الإطلاق؛ فإن وجد لي أمل فهو سيكون في تلك الدول العربية الثائرة شعوبها ؛ لكن قبل هذا ما الذي يجب على دول الربيع العربي تبنيه مستقبلاً؟.
أولاً: أن لا تكون نظرة هذه الدول محصورة على تحقيق مفاهيم الديمقراطية على مواطنيها وحسب, بل أن يكون لهذه الدول دور فعال للنهوض بشعوبها من جميع الجوانب.
ثانياً: أن تكون لهذه الدول رؤية حول قضايا الأمة العربية مختلفة تماماً عن دول غير الربيع العربي.
ثالثاً: أن تؤمن شعوب هذه الدول بحقيقة مفهوم الديمقراطية واحترام من توصله الديمقراطية النزيهة إلى كرسي الحكم وأن يكونوا جميعهم شركاء في النهوض بالوطن ويتقبلون الآخر حسب ما تقتضيه وتستدعيه مصلحة أوطانهم وذلك حتى لا يكون هناك مجالاً يسمح لدول غير الربيع العربي أو الدول الغربية التي تتضايق من ثورات وتبعات هذا الربيع من إجهاض مشاريعهم ومن ثم تعيدهم هذه الدول إلى المربع الأول كما حدث في مصر.
رابعاً: أن تسعى دول الربيع العربي لتتحرر من تبعيتها للدول العربية الأخرى التي هي تابعة أصلاً لدول الغرب وذلك حتى يكون لدول الربيع العربي رأي متحرر وموقف إيجابي تجاه قضايا الأمة العربية.
خامساً: أن يكون بين دول الربيع العربي تحالفات وثيقة وشراكة حقيقية فيما بينها تكون من مصلحة بلدانهم وشعوبهم.
من خلال ذلك ستشعر دول الربيع العربي أنها تجني ثمار نضالها وكذلك شعوب هذه الدول التي ستشعر أنها فعلاً شعوب ثورات عربية تحررية حقيقية؛ وإلا فإن حال الأمة العربية لن يتغير وسيظل حالها هو حال الذل والمهانة كما هي عليه الآن وأن ما بينها ليس إلا ربيعاً كاذباً وخداعاً.
محسن فضل
أمةٌ عربيةٌ بينها ربيع! 1482