قد يبدو المشهد صادماً للكثير وهو يرى هذه الدماء الزكية والنفوس البريئة تسيل هنا وهناك في مصر وسوريا, لا لشيء سوى إشباع شهوة الحكم ورغبة السلطة الذي يقول عنها ابن خلدون "إن سكرة الحكم أقوى وأعتى من سكرة الخمرة".
في اعتقادي هذا الذي يحدث من قبل النخبة الحاكمة ليس صادماً وليس جديداً في آن واحد، فالأنظمة العسكرية الدكتاتورية في الوطن العربي خلال الخمسة العقود الماضية قد مارست أبشع وأنكى من هذا بكثير، قتل واستهداف واغتيالات وانتهاك لحرية وكرامة الإنسان.
هذه الأنظمة القمعية مارست أكثر من هذا بكثير، لكن الذي اختلف اليوم وأبرز هذه الجرائم للعلن وجعل العالم يتعاطف ويساند هذه القضايا هي الثورة المعلوماتية والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي حين عرت وكشفت وحشية وظلم هذه الأنظمة المغتصبة.
من يصدق دول وحكومات تقتل شعوبها ، تدمر أوطانها ، تهدم بيوت على ساكنيها، قصص من نسج الخيال لولا أنها حقيقة، كل هذا بأسلحة بأموال من عرق وجبين الشعوب، أحدث مؤلمة تستحيل النسيان ، أوطان مكلومة تشكو من أناس انتموا إليها، كساها الليل أثواب الحداد.
الصادم في الحقيقة والمؤلم في هذه الحالة هم أولئك الذين ساندوا ووقفوا مع من يقوم بهذه المجازر وهذي المآسي، أولئك الذين أفتوا وشرعنوا لعملية القتل والتدمير، أولئك الذين لووا أعناق الأدلة واستخدموها لتبرير مالا يقبل عقل تبريره، أولئك الذين صدعوا رؤوسنا من قوميين ويساريين وليبراليين عن قيم الحرية والديمقراطية والدولة المدنية الحديثة واليوم يقفون في صف واحد مع دول عسكرية قمعية لا خصم لها سوى حرية وكرامة الإنسان، أولئك الذين يحملون شهادات عليا وتراهم في صفوف قتلة ومجرمين، ماذا يعني العلم في هذه الحالة، ماذا يعني أن يترقى الإنسان في شهادات عليا وينحط بضميره وقيمه إلى الدرجات السفلى؟، أي قيمة لهذا العلم؟.
الصادم هي تلك الشخصيات والمنظمات والمؤسسات التي تأسست لتدافع وتناضل من أجل حقوق الإنسان، كيف تغاضت وتشاغلت عن مثل هكذا جرائم، منظمات حقوقية تدافع عن حقوق الإنسان الذي ينتمي لفصيل بعينه، لحزب بعينه، هل هذا جزء من الإنسانية؟!.
ماذا يمكن أن نقول.. مات الضمير لدى البعض، ارتحل الضمير بعض النفوس وغادر إلى غير رجعة، هل وصل الخصام والعداء ضد الآخر أن يرحب البعض ويساند مجازر يعجز الإنسان عن وصفها؟، هل وصل الخصام والعداء أن نحارب مبادئ وقيم طالما ناضلنا من أجلها؟، هل نشارك في تدمير أوطاننا من أجل إلغاء الآخر؟.. ماذا سيقول هؤلاء عندما تسقط هذه الأنظمة وتعود المياه إلى مجاريها؟، ماذا سيقول هؤلاء لأبنائهم وأحفادهم؟, أم ماذا سيكتب عنهم التاريخ ويتحدث؟.. لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.
مات الضمير في نفوس البعض أو كاد، غادر، رحل.. حتى إشعار آخر.
خالد اليافعي
رِثاء الضمير! 1375