سرق لمبات الإضاءة وحرق منزل ومكتبة هيكل لقطة هزلية اخرى مثيرة للاشمئزاز لم تخل ومن مشاهد المسلسل المصري، هذه المرة بطولة محمد حسنين هيكل، والذي يعد من ابرز الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين، عكست الشكل الهزيل واظهرت واقع الانحطاط والإفلاس الذي أصابه على الرغم من دوره الرئيسي في صياغة سيناريو الانقلاب هيكل الشخصية المعروفة على مستوى العالم، والمشهور بمسرحياته الدرامية منذ القدم، وأساليبه في المراوغة، والتدرج للوصول الى المناصب الحكومية، جعلت من كبار الشخصيات بمن فيهم الرؤساء الاربعة السابقين لمصر يحذروا افعاله، فصار البعض يقربه إليه ويخرس لسانه بمنصب مرموق بالسلطة، والبعض يعزله ويبعده عن السلطة بطرق غير مباشرة، والبعض لا يعيره أي اهتمام أو يلتفت اليه كل هذه المواقف التي تعرض له هيكل خلال الثمانية العقود الماضية، ومعاشرته للأنظمة العسكرية الى ما قبل النظام المدني للرئيس المعزول مرسي، جعل منه عقلية بوليسية اكثر مما هو مدني، يجيد جميع طرق الخداع والتضليل، وكل فنون الكذب والتزوير، بالإضافة إلى إجادته التامة لأسلوب المكر والنفاق، وبراعته الفائقة في التنكر وتقمص الأدوار والتملق، وامتلاكه خبرة عميقة في معرفة طبيعة تصرفات وتوجهات الحكومات العسكرية في المستقبل مميزات هيكل السابقة جعلته يدرك أن واقع اليوم مختلف عن السابق، وان مسار ونهج العنف الذي انتهجه العسكر قذفه خارج اللعبة، وحرمه نصيبه من الكعكة، واشعره انه لم يعد بتلك الاهمية الذي كان عليها قبل حدوث الانقلاب، لأسباب كثيرة ابرزها رفضه لجو الحكومة ¬ (للحل السلطوي) واقصاء التيار الاسلامي واعتقال قياداته والاتجاه بمصر نحو الحرب الاهلية، ربما هذا الموقف المشابه الى حداً ما بموقف البرادعي الرافض للعنف وفض الاعتصام - والذي واجه بسببه تهمة الخيانة للأمانة - جعله خارج حسابات العسكر . على الرغم من تشابه المواقف إلى أني أجزم أن الحكومة الانقلابية لا تجرؤ على إدانة أو اتهام هيكل كما فعلت مع البرادعي نظراً لاختلاف مكانة واهمية الرجلان، فالأول شريك أساسي له إسهاماته المؤثرة التي لا يمكن الاستغناء عنه، والأخير مجرد أداة لتنفيذ الاوامر الداخلية والخارجية وسمسار لعقد الصفاقات وبالإمكان التخلص منه واستعادته حسب الاحتياج . أيضاً هيكل يعلم ان الخطط التي عكف عليها لأشهر عدة من أجل تصفية بعض الحسابات الشخصية والفكرية والانتقام من المشروع الديمقراطي - الذي صعد بجماعة الإخوان المسلمين للسلطة – واستعادة نظام العسكر الذي يتناسب مع عقليته وفكر حزبه، ويمكنه من الحصول على منصب سياسي مرموق - كالماضي - يختم مسيرة 90 عاماً بخاتمة تليق بمكانته لم تعد تجدي نفعاً، ويدرك ان اقصى واشد عقوبة ستوجه له حرمانه من وجوده في السلطة الحالية، وليس تهمة جنائية أو التخابر مع الملك عبدالله وضاحي خلفان قبل حدوث الانقلاب. لذلك اراد الاعتذار عن أخطائه واستعطاف حكومة الانقلاب بطريقة تتناسب مع عقولهم، وتثبت انه مازال مطيعاً لأوامرهم، وملبي لمطالبهم، فهو يعرف حق المعرفة نوعية هذه العقليات، وطرق تفكيرهم، كما اراد لفت الانظار صوبه، وكسب تعاطف الناس بمن فيهم الطبقة المثقفة والاعلامية، الذي ظن انهم سوف يروجوا للحدث على اكمل وجه . لم يجد هيكل الذي يصر على تعريف نفسه بأنه "صحفي" بعد كل هذه الأحداث والمواقف المحسوبة علية سبيلاً للخروج بوجه مشرف سوى المزايدة بمنزلة ومكتبته الثقافية وبعض لمبات الإضاءة، حيث ظن هذه الحركة السبيل الامثل لخدع الناس وتغيير وجهة نظرهم عنه، في حين أن هذه الخطوة جعلته مثير للشفقة والسخرية، وزادت من نبذ المجتمع له، بعد أن كانت هناك فئة كبيرة من مثقفين وإعلاميين وشباب هذا العصر فاقده للثقة في مؤلفاته وكتبه وشهادته على العصر بسبب مواقفه وافعاله المخجلة والمتطرفة مراهنة هيكل على حرق المنزل مع المكتبة والصاق التهمة بجماعة الإخوان المسلمين، ليست كمراهنة الاقباط على حرق كنائسهم، ولم تكن مادة دسمة لوسائل الإعلام المصرية، أو باتفاق وتنسيق مع العسكر لأجل يمددوا حالة الطوارئ شهر اخر الى جانب هذا الشهر، وتكون ذريعة لاعتقال قيادات الإخوان المتبقية خارج السجون، مع ان هيكل انتظر الوقت المناسب والذي يصب في مصلحة الحكومة الانقلابية للإقدام على هذه المسرحية .
إذاً يمكن توصيف كل ما حدث من لقطة هزلية لحرق منزل ومكتبة هيكل هو مجرد إفلاس لشخصية مريضة بحب الظهور والحقد الأعمى، أراد أن يتخلص من آثار جريمة خطط لها في الماضي مع الحكومة الانقلابية ويريح ضميره، وفي نفس الوقت يوجه رسالة بدور منزله ومكتبته في عزل مرسي، ولكن تجاهل الحكومة وعدم الالتفات اليه في هذا الظروف كانت كالصاعقة المرسلة من السماء على مفكر الشياطين، بعد الذي حدث لم يكن بوسعه سوى خط بلاغ شكوى بنفس القلم الذي وقع وثقيه الانقلاب في السابق، وتقدمه لقسم شرطة منشاة القناطير المتواضع يطالب فيه حصر الخسائر والأضرار الناجمة عن الحريق، محتسباً نكران الجميل في نفسه وتارك التضحيات والخطط والسيناريوهات والاحلام المأمولة قبل عزل مرسي وخبرة ثمانية عقود من التآمر والمكايدات السياسية تذهب للعسكر دونما حول منه ولا قوة "ولا يحيق المكر السيء الا بأهله".
هيثم الجرادي
إفلاس هيكل 1192