لقد فشلت العقلية الأيديولوجية، في تغيير الواقع العربي، وعلى الرغم من تراجع الأيديولوجيا القومية التقليدية والعلمانية، والانتشار الأفقي للتيار الإسلامي الذي ينمو في ظل واقع الاشتباك المباشر والميداني، فإن هذا التيار لم يتقدم على مستوى إنتاج الرّؤى والتصورات والمشاريع السياسية.. إنّ استمرار الحركات الإسلامية وفاعليتها وبروزها- وهي مرشّحة أكثر من غيرها لذلك- مرتبط أشدّ الارتباط بحقيقة أن المجتمع العربي هو مجتمع مسلم، يتفاعل مع الإسلام والخطاب الإسلامي، لكن هذا التفاعل والفاعلية والقدرة على الفوز في الانتخابات الديمقراطية ليست غطاء ولا مبرراً لفقدان هذا التيار الإسلامي لرؤيته الجيوسياسية وبالتالي عدم القدرة على تحقيق هذه الرؤية في الواقع.
إنّ قدرة هذا التيار على لعب دور مباشر وعملي في صنع مستقبل المنطقة مرهونة بقدرته على تقديم هذه التصورات السياسية لمستقبل المنطقة ومرهونة بقدرته على فكّ الترابط المتكلّف بينه وبين الدّين، فالإسلام هو دين المجتمع وهو شأن العلماء و الفقهاء و من ثَمَّ أفراد المسلمين، أمّا شأن الأحزاب فهو السياسة.
إننا نتفهم الظروف التاريخية التي أدّت إلى هذه الظاهرة -الإسلام السياسي - و نقدّر عالياً الدور الذي قامت به الحركات و الأحزاب الإسلامية في الحفاظ على هويّة الأمة، كما نقدّر التضحيات الجسام التي قدّمتها ، لكن فهمنا للمبرّرات التاريخية لهذه الظاهرة لا يبرّر استمرار عملها بالعقلية ذاتها و مستوى الأداء السياسي نفسه.
على القوى الإسلامية السياسية أن تحسم خياراتها بين كونها جماعة دينية أو حزباً سياسياً فالجماعة الدينية هي المجتمع المسلم و لا يمكن لفئة قليلة مهْما عظمت أن تستبدل نفسها بهذه الجماعة، خاصّة و أنّ ظاهرة العداء للدين قد تراجعت و لم يعد حتى ممثّلو التيارات الأيديولوجية الأخرى يجادلون في هوية المجتمع العربي، إنّما يكتفون بطرح بعض الإشكاليات الحقوقية والمدنية والاجتماعية المترتّبة على ذلك في الظروف المعاصرة وعلى ممثلي التيار الإسلامي أن يقدّموا الأجوبة عن هذه الإشكالية.
محمد عبده الدائم
واقع الإسلام السياسي وآفاقه 1109