يرفض شباب الثورة مغادرة المشهد, إذ تجدهم مصرين على البقاء والاستمرار في النضال الثوري السلمي بهمة العظماء وبعزيمة لا تلين, إيمانهم لم يتزعزع بعدالة قضيتهم ويقينهم راسخ بأن إرادة الشعوب الحية هي صمام الأمان.. ها هم يثبتون يوماً بعد يوم أنهم قد أصبحوا بالانتصار العظيم الذي تحقق في المرحلة الأولى أشد قوة وأعظم بأساً وأن تركهم للساحات الأرضية التي أقاموها بدماء وأشلاء من استشهد منهم ومن جرح لم ينل من إصرارهم وقدرتهم على خلق ساحات أخرى من نوع آخر تتناسب مع كل مرحلة من مراحل التغيير.
أدرك شباب الثورة أن الانتقال إلى مرحلة ثورية تالية يستدعي منهم الانتقال أيضاً, فعادوا إلى ساحتهم الأولى التي انطلقوا منها- ساحة المعلوماتية في فضاء الأنترنت أو العالم الافتراضي, كما يطلق عليه ذلك العالم الذي كان له الدور الكبير في إكسابهم الكثير من الوعي السياسي والمعرفي بالحقوق والحريات والذي من خلال أدواته ووسائله يتابع ويرصد الشباب اليوم كل ما يجري ويقع من وقائع وأحداث ويسجلون ردود أفعالهم ومواقفهم حيالها والتي وإن كانت متباينة من حدث إلى حدث إلا أن الاتفاق في الغالب يكون هو السائد بشأن القضايا العامة والهامة.. وبذلك تسنى لشباب الثورة تشكيل ما يمكن وصفه برقابة ثورية تحد إلى حد ما من بعض الأخطاء وتواجه ما يحصل من مخالفات وتصنع القرار أيضاً.. فمنذ أيام هرع رئيس الجمهورية إلى إلغاء قرار جمهوري بعد بضعة أيام من تاريخ صدوره كان قد قرر فيه تعيين أحد العاملين في مجال الإعلام وكيلاً للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة خلافاً للتشريعات الخاصة بهذا الجهاز الذي لا يجهل دوره الهام احد وما كان الرئيس ليلغى قراره لولا رقابة وقوة تأثير شباب الثورة..
وعلى صعيد محافظة إب أوقف ثوارها تنفيذ القرار الصادر عن وزير الخدمة المدنية باستبدال المدير العام الحالي لمكتب الخدمة بالمحافظة بآخر يوجد عليه تحفظات جمة لاسيما في معياري النزاهة والكفاءة؛ إذ تبنى شباب الثورة حملة رفض واسعة للقرار في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام وقد وصل الأمر إلى أن هاتف بعضهم الوزير ومحافظ المحافظة تلفونياً وأبلغوهما قرار الرفض الصادر عن شباب الثورة للقرار الوزاري المخالف من الأساس لقانون التدوير الوظيفي ولائحته التنفيذية, فما كان من سبيل أمامهما إلا إيقاف العمل به تنفيذاً لقرار شباب الثورة..
ومع ذلك فهناك من بين شباب الثورة من غفل عن مراقبة وعيه وذاته الثورية حتى ضعف وخار ووقع فريسة سهلة في فخاخ التثبيط والتضليل والتشكيك التي زرعتها الأطراف المناوئة للثورة والتي سعت جاهدة منذ وقت مبكر لإجهاض عملية التغيير, مستخدمة ذات الأدوات والوسائل التي بين يدي الشباب للتأثير على الفاعلية الشبابية والمجتمعية ككل.
حتى إن القلب ليكاد يقطر دماً عندما تسمع شابا من شباب الثورة يردد مقولة علي صالح بأن ثورة الشباب اختطفت ووئدت في مهدها, أو أن الثورة لم تنجز شيئاً, أو أن حالنا بالأمس أفضل من اليوم, مطبقاً جفنيه عن رؤية حقيقة ما أنجزته الثورة إلى الآن وكأنه لم يزل يرى علي صالح رئيساً للبلاد وابنه قائداً للجيش وولياً للعهد وابن أخيه قائداً للأمن القومي أو قائداً للأمن المركزي أو قائداً للحرس الخاص, أو أن أخاه لا يزال قائداً للدفاع الجوي وزوج ابنته مسئولاً عن الطيران المدني وأن الجيش والوطن لم يتحررا من قبضة العائلة, ومتعامياً عن رؤية إنجازات الثورة على صعيد تفكيك منظومة الحكم العائلي والإجهاز على مشروع توريث الحكم.. إلى غير ذلك من الإنجازات التي لا تقع تحت حد الحصر.. في حين بدى بعض الشباب وللأسف الشديد متخلياً عن حماسه الصادق للثورة بسبب جسامة التحديات والتعقيدات والصعوبات والعوائق الداخلية والخارجية التي تواجهها وقد فاته أن إرادة الشعوب تضمن التغلب على كل المعوقات التي تواجه تطلعاتها للحرية والعدالة والمساواة والكرامة وكفيلة بتخطيها مهما طال الزمن, كما فاته أيضاً أننا لسنا بدعاً بين الشعوب التي ثارت وفرضت بقوة إرادتها التغيير بعد أن مرت بما نمر به الآن من حالة صراع مع مناهضي التغيير وحالة تيه وبعض فوضى ومن تضارب في وجهات النظر الكثيرة والمتنوعة حول الحاضر والمستقبل ومن تولد لمشاعر الإحباط لدى البعض, لكن تلك الشعوب في نهاية المطاف لم تخذل ذاتها وانتصرت بتصميمها على انتزاع حقوقها وكرامتها, مؤكدة أن تاريخ الأمة يصنعه أبناؤها وأنهم من يقررون أن ما كان في الماضي لن يكون في المستقبل وتاريخ العديد من الدول شاهد على أن عملية التغيير والتحول الديمقراطي فيها لم يتم بين ليلة وضحاها وإنما تطلبت العملية تدرجاً أخذ فترات طويلة من الزمن, فعلى سبيل المثال استغرقت عملية التغيير والتحول الديمقراطي في البرازيل قرابة 21 عاماً واستغرقت عملية التغيير والتحول الديمقراطي في الأرجنتين قرابة 40 عاماً.. أما عملية التغيير في بلادنا فلن تستغرق الكثير من الوقت, فبمجرد الاتفاق على صيغة الدستور القادم وإجراء الاستفتاء عليه, ثم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2014م, نكون قد أوشكنا على الانتهاء من عملية التغيير والتحول الديمقراطي ويعد الزمن الذي استغرقنا قياسياً بالنسبة للزمن الذي استغرقت الدول سالفة الذكر، وتبدأ بعد ذلك بفضل الله تعالى مرحلة البناء والتنافس من أجل تحقيق الحياة الكريمة لهذا الشعب الذي عانى كثيراً.