سأختصر وأترك لكم الاستمتاع بظرافة الحكاية ويمكن استدراك وقائع مشابهة من حياتنا اليومية ومدى إيجابية وسلبية تصرفاتنا تجاه مشاكلنا وقضايانا سواء الفردية أو الجماعية.
وكعنفوانية ثقافة العناد للزير سالم من خيارات (إلا كليب حياً) فليس صواباً أن يكون بديلها (السلام مقابل التنازل عن الحقوق) أو بالإكراه (عفى الله عن كل ما سلف) مع وجود إمكانية القدرة على التراضي بشيء أو أشياء مما سلف، ولمن يسترجي ذلك فلماذا لا تحقق العدالة بما هو موجود وممكن؟ وما قيمة السلام بلا حقوق؟!.
وبالمقابل فمن الخطأ الرفض الرفض ولا خيار غير الرفض, وخصوصاً عندما تتوفر الحلول والبدائل ونجد اقتراب وقبول غرماءنا الآخرين بالحلول وإمكانية حصولنا على حقنا ومطلبنا ربما ليس بالطريقة التي نريدها أو بالقدر الكافي مما نريده, لكننا سنحصل عليه بأسلوب وبقدر حسب ظرف واقع يجبرنا على الرضاء والقبول، وعندها يكون عنادنا ورفضنا نتيجته الخسارة ومقامرة بتحدي غير محسوب وحظوظه الإيجابية أقل من الـ 10% بعد رفض القبول بأكثر من 70% مما هو لنا وبمسافة أقصر مما لو أصرينا على مطلبية ( كليب حياً).
وعن حكاية الصنعاني ويهودي من ريدة- قد تكون واقعية أو طرفة للاستدلال والمتعة- ففيها مقاربات بسيطة لما نتحدث عنه من ثقافات ومبادئ تعاملية وحوارية في قضايانا السياسية والاجتماعية، وكمثال للاستدلال بأوسع مما حوته الحكاية.
قيل أن شخصاً صنعانياً ذهب إلى تعز لغرض العلاج في عهد حكم الإمام أحمد حميد الدين وظل يرتاد المستشفى يومياً ويشتري لنفسه الأكل وينام بالإيجار، وبعد أسبوع لم يعد قادراً على تسديد قيمة العلاج فذهب إلى حاكم المدينة وكان يسمى (عامل الإمام) وتعرف عليه فاكتشف أنه من منطقه وتربطهم قرابة نسب، فأعطاه مبلغ من المال، فأخذها وصرفها حتى أكملها وبعد يومين احتاج مصاريف فرجع إليه ثانية وأعطاه مبلغاً آخر، وهنا طمع بالمال رغم أنه قد أنهى العلاج وحصل على حاجته ومطلبه من المال، فاستغل فرصة القرابة بالحاكم وعاد إليه بعد أربعة أيام يشكو حاجته لشراء حاجيات للأسرة ونفقة طعام وسفر للقرية، لكنه تضايق منه وكتب له مذكرة بحوالة مالية من جزية أحد اليهود في منطقة ريدة بالقرب من صنعاء وعلى مسافة بعيدة جداً من تعز, فأخذها الصنعاني وسافر إلى ريدة وسأل عن فلان بن فلان اليهودي حتى وجده فطلب منه الجزية، فقال له: لا أملك الآن مالاً, لكن تعود لها بعد ثلاثة أشهر، فأصر إلا أن يدفعها حالاً ولو يستدين من أحد، وبعد مشاجرة طويلة أعطاه اليهودي كمية من سمن البقر البلدي مقابل نصف الجزية والباقي يعود لها بعد شهر، لكنه رفض وأن حاجته للمال وليس للسمن، فقال اليهودي: إذن فالعام لم يكتمل ولست مجبراً أدفعها إلا في نهاية العام، فقال له: لازم تدفعها الآن وستحسب مقدماً من جزية هذا العام، واشتد الخلاف حتى كادا أن يقتتلا بالعصي..
لكن المفاجأة التي لم يتوقعها الصنعاني وبعد أن استحال أي حل، صرخ اليهودي وقال له: فأنا أسلمت ودخلت الإسلام (وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ولهذا تسقط عني الجزية، فاشتد غضب الصنعاني وقال: أقسم بالله لن تسلم حتى تدفع لي الجزية، وتعاظمت المشكلة واتسعت مع إصرار اليهودي على إسلامه وإصرار الصنعاني على الجزية, حتى قررا الاحتكام والسفر إلى حاكم تعز.
قد تكون انتهت الحكاية عندنا, لكن لا ندري كيف كانت طويلة بينهما لدى حاكم تعز بعد أن كانت قصيرة, قد يحصل على المال بعد شهر مما وعده أو السمن ويعود للباقي نهاية العام، والأفضل من ذلك اعترافه ودخوله دين الصنعاني أو.. أو..!.
قد تكون قضية فردية, لكن يشابهها في واقعنا اليوم قضايا مجتمعية قد نراها معقدة ويستحال حلها دون أن نحسن التعامل معها ودون أن نستذكر بحقيقة أن لا شيء معقد بلا حل، وفقط هو أسلوبنا وقناعاتنا وحسم خياراتنا في (خير الشرين وشر الخيرين).
محمد صالح المنتصر
القضية.. وحكاية الصنعاني ويهودي ريدة 1338