الحديث عن الحقوق السياسية والمدنية في العصر الراشدي له مذاق خاص ونكهة طيبة نجتهد في هذا الحديث لرسم صورة مشرقة لتجربة مدنية لا زالت الرائدة في تاريخ البشرية وحاضرها رسم ملامحها صحابة كرام ترجموا فيها وعياً سياسياً راشداً وتربة مدنية سليمة حاول دعاة العصبية والعنصرية أن يشوهوا معالم هذه التجربة ويسيئوا إلى أبطالها.. فعلى إثر انتقال النفس الطاهرة للنبي عليه الصلاة والسلام إلى بارئها توجه الصحابة إلى سقيفة بني ساعدة لترشيح أمير للمسلمين وهذه المبادرة دليل وعي الصحابة بحقوقهم السياسية والمدنية.
وفي أجواء من الحرية والإخاء والحوار الهادف والنقاش المتكافئ تبادل الصحابة الكرام وجهات النظر المتعددة (منا أمير ومنكم أمير) وتداولوا أسماء عديدة وبعد نقاش حر توافق الصحابة على ترشيح أبي بكر الصديق ليكون مرشحاً لإمارة المسلمين, لم يلجأ الصحابة الكرام إلى حشد النصوص الكثيرة للتدليل على استحقاق شخص بعينه لمنصب الإمارة كما تقوم بذلك الحوزات ومن أتى من بعدهم من الفقهاء.
لم يفرض الصحابة وجهة نظرهم بالقوة العسكرية ويسفكوا دماء بعضهم البعض كحال الحكام الذين أتوا من بعدهم وإنما كانت القناعة والإرادة الحرة هي التي أوصلت أبو بكر إلى قصر الخلافة.. لقد حاول غلاة الشيعة طمس معالم هذه التجربة وهدم بنيانها من القواعد عامدين إلى رسم صورة مشوهة في ذهن المسلمين لأفضل جيل تلقى تعليمه وتربيته على يد من لا(ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) مروجين لثقافة استعلائية ترفض الحقوق السياسية والمدنية للآخرين أو التعايش معهم بإخاء وسواسية وعدالة وحرية فتحوا على الأمة أبواباً من الفتن والصراعات كانت في غنى عنها إبان الحكم الظالم الذي اتسم بالصراع والتقاتل على السلطة ولم يكن ذلك في مرضاة الله أوفي سبيلة, بل على حطام الدنيا مثل فيه الحكام القشرة العفنة..
أما الروية السنية فقد حرصت على حشد النصوص لتبرير استحقاق أبي بكر الصديق للإمارة كرد فعل لما قام به دعاة العنصرية والعصبية من غلاة الشيعة من طعن في أحقية أبي بكر وغيره في الإمارة والسلطة غاب فيها النص القطعي الصريح لحكمة أرادها الشرع الحكيم.. إن الإمامة والإمارة سلطة مدنية يقيمها الناس رعاية لمصالحهم وهي مفوضة إلى نظر الأمة.
إن الرواية السنية اتسمت بالمذهبية والجزئية أقرت بشرعية الحاكم الظالم المتغلب كواقع لا مفر منه وهي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للمنهجية العلمية الموضوعية والرؤية المؤسسية الجماعية الشاملة.
يحيى الهمداني
الحقوق السياسية والمدنية في العهد الراشدي 1082