في كل مرة أسافر من مطار صنعاء الدولي- الذي لا يحمل مع الأسف من صفته الدولية شيئاً - أدعو الله أن يحليني بالصبر والتأني على تلك الإجراءات الأمنية الغبية التي يتميز بها المسؤولون الأمنيون بالمطار بصورة لامثيل لها في سائر مطارات وبلدان العالم.
فمنذ دخولك من بوابة (المغادرون) وأنت تعيش مشاهد "غباء أمني فريد" تبدأ حلقات مسلسلة تتوالى عليك في كل منعطف تطأ فيه قدمك جزءاً من أرضية المطار الذي كان الأولى أن يرتقي إلى مستوى مطار عاصمة دولة لا أن يتحول إلى كابوس مزعج لقاصدي السفر عبره كمطار وحيد بالعاصمة.
ما أمكنني رصده من مشاهد حلقات الغباء الأمني المتمثل في إجراءات المعاملة الخاصة بمغادري مطار صنعاء المدلل بكلمة "دولي" يتمثل في جملة من المواقف التي عايشتها بنفسي والتي تبدأ بالغباء الأمني رقم 1 المتمثل في وصولك إلى بوابة المغادرين، حيث تلتقي بعسكري من الأمن المركزي - كما قيل لي- يسألك بكل "غباء كارثي" وأنت تهم بالمغادرة إلى طائرة الرحلة: (مسافر أو لا.. وريني التذكرة..! ) على أساس أنه سيقرأها والعياذ بالله.. الأمر الذي يدخلك في تفكير بألف علامة استفهام عن حقيقة وجود ذلك الجندي الذي يصدمك بغباء أسألته وحماقة استفساراته، ولا يمكنك وصفه إلا بما قاله الشاعر اليمني الراحل/عبدالله البردوني:
عسكري بليد للأذى فطن* كأنما إبليس للشر رباه...!
المشهد الثاني من الغباء الأمني يأتي بعد ثلاث خطوات من بوابة المغادرة، حيث تصادفك كبينة أمنية صغيرة (مستحدثة) تناديك منها فتاة من الأمن المركزي وأخرى تتبع الأمن القومي كما يقال أيضاً، متخصصة بتفتيش ما يعرف بـ"الجنس اللطيف"، تطلب منك فتح الحقيبة لرؤية ما بداخلها من أغراض، وتشعرك حينها وكأنك لن تمر بعد ثوان معدودة على جهاز الفحص الإلكتروني الحديث الذي يقال إن مطار صنعاء حصل على أحدث تلك الأجهزة بفضل الطرود الإرهابية المفخخة التي غادرت عبره إلى أمريكا ودول أوروبية... ولا تملك حينها، إلا أن تقول في قرارة نفسك :(يا سبحان الله والنظام)..! وأنت تقفل حقيبة يدك بعد تفتيش تلك اليد الناعمة.
ويأتي مشهد الغباء الأمني الثالث بمجرد وصولك -بعد 5 ثواني - إلى جهاز الفحص الإلكتروني ووضع جميع حقائبك عليه وتوجهك لدخول الصالة الوسطى لانتظار مرور الحقائب إليها، حيث يصادفك عسكري آخر من الأمن المركزي، يطالب هو الآخر برؤية البطاقة الشخصية أو الجواز والتذكرة..(ابصم بالعشر على أنه لا يقرأ ولا يفقه من العمل الأمني شيئاً، لأن ذلك ببساطة ليس عمله أصلا )..! بعدها تكمل إجراءات الفحص والسفر بشبه سلام مؤقت في طريقك إلى سلالم طائرة يعتبر السفر على متنها نوعاً من الانتحار الاضطراري باليمن...!
ويأتي مشهد الغباء الأمني الرابع، عند قطعك لـ"بوردنج" الطائرة وأنت تهم بالتوجه إلى صالة الجوازات يصدمك مرة أخرى بوجوه عسكر الأمن المركزي، يقفون مجدداً أمامك يسألونك مسافر.. وإلى أين.. المريخ.. اجزع.. وتخيل هذه السؤال يأتيك للمرة الخامسة وأنت في طريقك إلى الصعود على الطائرة، بأرض المطار..؟!
أما مشهد الغباء الأمني الخامس فيأتي حينما تكمل إجراءات الجوازات لتجلس قليلاً لأخذ قسطاً من الراحة بصالة الانتظار بعد كل هذا المرثون الطويل من العناء والإجراءات الأمنية الروتينية الغير حاصلة في أي عالم آخر غير مطار صنعاء عاصمة اليمن، تجلس لانتظار سماع صوت المنادي ينادي بصوته الشجي وهو يصدح بصوته الشجي:" حيا على الرحلة"، فتضطر إلى الوقوف في طابور يمني منتظم جدا..! حتى تصل إلى البوابة قبل الأخيرة من بوابات مطار صنعاء الكثيرة ! لتجد رجال الله من الأمن القومي أمامك، يطلبون منك أيضاً الجواز أو البطاقة الشخصية والتذكرة ليقارنوا الاسم والصورة مع الشخص الماثل أمامهم, ( كفأر تجربة) بحجة أن موظفي الجوازات وشركة اليمنية لا علاقة لهم بعمله الأمني ولا صنعة.. وما يقتلني من فضول هو كيفية تحققه من شخصية النساء الملثمات"..!".
أخيرا حينما تفكر بالعودة إلى صنعاء فلابد لك أن تمر بمطارها لتختتم مسلسل الغباء الأمني، فحينما تصل بالطائرة إلى مطار صنعاء يفاجئك رجال الأمن القومي مرة عاشرة بوقوفهم بصالة الوصول ليطلبوا منك وبكل وقاحة وغباء أيضاً "بوردنج" الطائرة والحقائب، ولا اعرف بصراحة ما الحكمة اليمانية من جمع ورقة صغيرة يكتب فيها رقم الكرسي والرحلة.. ولا يمكنني القول إلا أنها "طباع تتجلى فيها الحكمة اليمانية، خاصة حينما ترد على طلبهم بأنك أضعت البوردنج فيسمحون لك بالمرور"...!؟
أخيراً أؤمن بأن مثل هذه المسلسل من الإجراءات الأمنية الغبية و"الكارثية" في مطار صنعاء الدولي لا تحصل في أي عالم آخر، لأني سافرت عددا من بلدان العالم وشاهدت سهولة وسلاسة التعامل الأمني الجاد والمثمر بمطارات أوروبية وأسيوية وأفريقية، ولم أجد وجودا لمثل هذا التصرفات "البوليسية" الغبية والكاذبة التي لا تطبق إلا على المواطن العادي المغلوب على أمره في حين تفتح أبوابا خاصة لسفر وعودة حمران العيون..
سحر مهيوبي
مشاهد من "الغباء الأمني" الفريد لمطار صنعاء 1712